لماذا بعد أن تسيل الدماء؟
زيادة الرواتب، تحسين الخدمات الصحية، تشغيل العاطلين، إلغاء قوانين الطوارئ، منح المزيد من الحريات السياسية، تغيير قوانين الصحافة، بمعنى تغيير الأوضاع من حال إلى حال.. هل يحتاج ذلك إلى إسالة الدماء وإزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات لكي تقدم هذه «المنح» للشعوب؟
في الوطن العربي تبدو الأمور وكأنها سوق، الأصل فيها المساومة والإمساك على المكاسب حتى درجة الوقوع في الهاوية وعندما تلوح أفق الخسارة تتوالى التنازلات إلى أن تصل إلى مستوى إيثار السلامة، وعدم السقوط في الخسارة الكبرى. ولكن لأن إدارة الأوطان ليست مثل إدارة الأسواق، فإن التنازل على رائحة الدم والمساومة في ازدحام الجنائز لا ينتهي غالباً إلى النجاة من الخسارة القاصمة. فماذا لو كانت الرواتب من الأصل تسد رمق البطون وتغني النفوس؟ وماذا لو انفتحت أبواب الوظائف قبل أن تنطلق صرخات المتعففين وتشتعل الأجساد بعد الأرواح انفلاتاً من عقال الحكمة ونعمة العقل؟ وماذا لو عاش الناس بلا قوانين طوارئ تحسب عليهم أنفاسهم، ولا أجهزة أمنية تعد عليهم خواطرهم، ولا قوانين صحافة تشرع لكذب يسم أبدانهم ويحرمهم من فطرة البوح بما تمتلئ به صدورهم؟ ماذا لو حدث كل ذلك قبل أن تخرج الصرخات المكبوتة وتراق الدماء الزكية وتزهق الأرواح الحرة؟ ماذا لو كانت العلاقة من البداية بمثابة عقد سياسي واجتماعي وأخلاقي يضمن الحقوق وينظم الواجبات؟
هل كان سيحتاج الشارع في بعض البلدان العربية لكل هذه الزلازل التي ضربت الأرض في مركزها فتداعت بفعله الأمم؟
حقا، كما قال مواطن عربي بسيط، أين كانت كل هذه الوظائف والعطايا والحريات قبل أن ينفجر البركان؟ يبدو أن الأوضاع في أكثر البلدان العربية مثل محرك السيارة بحاجة إلى شرارة تولد الانفجار الذي يحرك العربة!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .