أنثى السرد الأولى

من يقرأ الروايات الجديدة التي بدأت تنتجها المرأة العربية، خصوصاً تلك الأعمال الروائية التي تفرزها جائزة البوكر العربية، وتلك الأسماء التي تزاحم في كل عام على الجائزة الأولى للبوكر، خصوصاً تلك الخصوبة الروائية التي تتجلى في رواية الكاتبة السعودية رجاء عالم، صاحبة رواية «طوق الحمام» التي فازت بالجائزة الأولى لهذا العام، ويلاحظ قوة الاقتياد السردي لهذه الأعمال، والسحر الغامض الذي يكتنف معظم هذه النصوص، يُدرك أن الكاتبة العربية المدججة بسحر السرد الأنثوي، هي الحفيدة الأولى لامرأة الكهف التي كانت تجلس في أغوار الكهف وتعريجاته، بعد أن تطلق الأبناء في ذهابهم نحو الصيد في الغابات، وتبدأ بنسج خيوط حكاياتها للشامان الذي يرسم على جدران الكهف بطولات الأبناء في الصيد، ومن ثم تهدهد الأطفال بالحكايا التي تأخذ اللب الذكري بسحر السرد، وتبقي القليل من الحكايا للأبناء العائدين من الصيد وسط تلك العتمة الكهفية التي تعطي للمخيال عند المستمع ذاك التألق في الاستماع.

والكاتبة العربية الجديدة التي بدأت بضخ رواياتها المبهرة هي الحفيدة الحقيقية لشهرزاد، الحكاءة الأولى، التي اصطادت أذن شهريار، وقايضت نحرها وذبحها بقوة السرد الحكائي الذي كان يؤجل قتلها كل ليلة في مدى زمني وصل تعداده إلى ألف ليلة وليلة.

والمرأة العربية التي شهدت اندحاراً خارقاً لقواها الإبداعية الخلاقة في شتى المجالات الحياتية، وتم اعتقالها في البيوت المسوّرة والحرملك، والجسد المحجب، تحولت الى جدّة قادرة على تشكيل الحكايات في عقول الأبناء والبنات، بحيث تحول سردها الحكائي إلى وجدان جمعي له مرجعيته الفعالة في تخليق السرد المدهش عند الحفيدات.

الكاتبة التي تحمل على عاتقها كل هذا الإرث السردي والحكائي، صارت قادرة على جلب الذكر مخفوراً بلذة القراءة والاستماع، لتعيد ببراعة منقطعة النظير صياغة الذوق القرائي، وهي تلج بعض المناطق الكتابية التي كان من المستحيل ولوجها أو الاقتراب منها، لتؤثث هذه المناطق بلغة سردية جديدة تقود القارئ إلى ما يُشبه السحر القرائي.

إن سنوات الفتك الاجتماعي للمرأة العربية عبر قرون عدة جعلتها تستغيث بأنثى السرد الأولى أنثى الكهف، وبأنثى السرد الشهرزادي، وبأنثى الحرملك والتلجيم الاجتماعي، كي تقطف لنا كل هذه الكتابة الساحرة وهي تفجر مخزونها السردي، لتقود الذكورة العربية نحو طفولتها ونحو الهدهدة الإغفاء العميق على صوت الحكايات.

إنه سحر أنثى السرد الأولى.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة