من المجالس

لا توجد دولة في العالم خالية من الفساد. كلام صحيح ذلك الذي قاله، أمس، رئيس ديوان المحاسبة الدكتور حارب العميمي، خلال مؤتمر أجهزة الرقابة المالية والمحاسبية العربية الأوروبية، وصحيح أن الفساد ظاهرة عالمية لا يمكن تفاديها، بالضبط مثل المرض الذي لا يخلو أي مجتمع في العالم منه مهما بلغت درجة تقدمه وغناه، لكن هناك أمراض في مستوى الزكام والرشح غالباً ما تكون أضرارها عابرة، وهناك أمراض خبيثة نهاياتها قاتلة. والفساد إدارياً كان أم مالياً - وكلاهما يؤدي إلى الهلاك - قديم قدم إبليس وأهله، ولكن الفرق في درجة فتكه بالمجتمعات كالفرق بين عدد ضحايا مرضى الكلى في كل من السويد وإحدى دول أدغال إفريقيا. نيوزيلندا التي تحتل المركز الأول عالمياً في ما يسمى «الشفافية ومحاربة الفساد» لم تحصل على العلامة الكاملة ولكنها استطاعت أن تحصر الفساد في أرقام عشرية بعد أن ضيقت عليه بالمزيد من القوانين وأجهزة الرقابة المالية والمحاسبية، وتفعيل وسائل الرقابة الأهلية والشعبية. وبالمنهج نفسه تحظى أكثر الدول المتقدمة بمواقع متقدمة في محاربة الفساد. ومع الأجهزة الرقابية والقوانين المساعدة جاءت ثقافة النزاهة لتكون الحصن الذي يستعصي على الفساد وجنود إبليس تحطيم جدرانه. من أمن العقوبة أساء الأدب، والفساد بالفعل قضية أخلاقية بالدرجة الأولى، وبقدر ما تطور أجهزة الرقابة القانونية والأمنية من أدواتها فإن للفاسدين دائماً وسائلهم في استباق الفعل القانوني والرقابي، تماماً كما هي اللعبة بين صناع الجريمة والأجهزة الأمنية، لأن المسألة تتعلق بأزمة أخلاق. وعلى الرغم من أننا، ولله الحمد، بعيدون عن حظيرة الدول المصابة بوباء الفساد، فإن طفرات التوسع المادي في السنوات الأخيرة جعلت للفساد مكاناً في بعض النفوس، وأفسحت له بعض المساحات بعد أن تأخرت الأخلاق خطوات عدة لمصلحة صراع المصالح وتكوين الثروات، لذلك نحن بحاجة إلى بعث ثقافة النزاهة بقدر حاجتنا إلى تفعيل أجهزة الرقابة.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة