(صوت صفير البلبل!)
يرى كثير من المؤرخين أن الحاكم العباسي أبوجعفر المنصور، رد الله رأس تمثاله بالسلامة، هو أول من استخدم الفتوى لمصلحة سياسية وشخصية، إذ ترك علماءه يبحثون في بطون الكتب والفتاوى حتى خرجوا عليه بسند شرعي بأن العم أحق بالوراثة من البنت، وهكذا استطاع أن يحتفظ بالملك في بغداد للعباسيين من أبناء عمومتهم الهاشميين.
لي زميل رأت زوجته المصون صورته وهو «يدوخ شيشة» على جهازه المحمول، فاتصلت باثنين من المفتين الرسميين في إحدى إمارات الدولة وذكرت لهما أنه غرر بها وتزوجها من دون أن يبلغها بأنه «دويخ»، فأفتى لها أحدهما بحقها في طلب الطلاق، بينما طلب منها الآخر أن تسايره، بل وتكسب قلبه بـ«التشييش» معه، وتعديل الرأس و«الولعة»، وقد أخبرني بعد أن نقلت له زوجته الفتويين بأنها فقدت قناعتها بكليهما، ما جعلها تنسى الأمر، وجعله يزداد وقاحة لدرجة شراء «مدواخ» وتركه في البيت.
خطر الفتوى يتجاوز الاتصال إلى فتاوى الفضائيات المتطايرة هنا وهناك، فمن المذيعة الليبية اللطيفة التي ذكرتنا قبل أن تتلو قرار تبني الأمم المتحدة العقوبات على ليبيا بأن «التبني» حرام، إلى المفتي صاحب فتوى الرضاع إياها، إلى عشرات القنوات السوداء والفتاوى المضحكة من تحريم أكل الجبن مع الجوز إلى فتاوى الشطرنج والحياة الزوجية التي كانت مادة دسمة لتندرات الصهيوني بيل ماهير على قناة ABC الأميركية.
إعلامنا أيضاً لم يعد يفرق بين فتوى وحلم وبين حقيقة وبين أضغاث أحلام، فأصبحت الأحلام وتفسيرها مصدراً من مصادر الإفتاء، تركت الكثيرين ينتظرون الحلم الذي سيحقق تطلعاتهم الفقهية، ووضعت الشيخ وسيم يوسف ورفقاءه في موقف غريب، إذ أصبحوا يقضون جل وقتهم في تعليم الآخرين الفرق بين الحلم والرؤيا والفتوى بدلاً من التفرغ للتفسير، وكان الله في عونهم في ذلك. الجهات الرسمية في الدول العربية والمنطقة بدورها تعاملت في أغلبها مع فوضى الفتاوى هذه بأقصى اليمين وأقصى اليسار، فهنا دولة يزيد تعداد سكانها على 20 مليوناً قصرت الفتوى فيها على عدد أقل من أصابع اليدين من المفتين، كأنهم سيكفون، وهناك دولة أخرى سمحت للجماهير باتباع مذهب «استفت قلبك»، وأغلقت الباب. هنا رجل يبيح حتى «الراب» و«الهافي ميتل»، وهناك من يحرم حتى «صوت صفير البلبل». أليس من الأفضل لنا أن نخاطب شركة «غوغل» لإطلاق خدمة «غوغل فتاوى»، فربما كانوا أقدر منا على إدارة هذا الأمر الحساس والمهم؟.
في إحدى القنوات وفي شريط «يستفتونك» الظاهر أسفل الشاشة تقول سائلة: يا شيخ، نقرأ في الأحاديث أن الخلاء (الحمام) مساكن الجن، فهل يجوز للمرأة أن تخلع ملابسها لتستحم؟ الجواب: إذا ثبت أن الحمام فيه جني فلا يجوز انكشاف المرأة بوجود جني رجل، ولابد من محرم!.
يعله جني يركبك انت وياها !
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.