قبل أن تبدأ «الإزاحة»!
مشكلتنا الحقيقية ليست في قلة عدد المواطنين، فالمواطنون عددهم وفقاً للمركز الوطني للإحصاء 947.9 ألفاً، ويوجد في هذا الرقم توازن جيد بين أعداد المواطنين الذكور والإناث، حيث تشير الإحصاءات إلى وجود 479.1 ألف مواطن، مقابل 468.8 ألف مواطنة.
كما أن مشكلتنا ليست في الوافدين أو المقيمين، فالدولة لا يمكن أن تستغني عن خدماتهم، وستظل تحتاجهم إلى فترة طويلة، ولكن المعضلة الحقيقية، والخلل الكبير الذي لا يبدو أنه قابل للعلاج هو استمرار تدفق العمالة والوافدين إلى الدولة بشكل عشوائي غير منظم، واستمرار بقاء الباب مفتوحاً على مصراعيه من دون الاعتماد على دراسات حقيقية تؤكد الحاجة إلى كل من يدخل، والاستغناء عن كل من لا حاجة إليه للخروج من الدولة.
مشكلتنا تكمن في كثرة الأبواب المفتوحة، وتعدد المانحين لتأشيرات الدخول، وبصورة لا تعتمد على الحاجة أو مصلحة الدولة، أو للضرورة الاقتصادية، بل من أجل مصالح آنية ضيقة، ونتيجة ذلك وصل رقم الوافدين إلى سبعة ملايين و250 ألف نسمة تقريباً!
ترى هل تحتاج الدولة إلى كل هذا العدد؟ وهل بالأساس كل هؤلاء يعملون وينتجون ويشاركون في الدورة الاقتصادية؟ بالتأكيد لا، وبكل تأكيد هناك ملايين منهم لا حاجة لنا بهم، ولو خفضنا هذا الرقم أكثر من مليونين بين ليلة وضحاها، فلا أعتقد أن ذلك سيؤثر في اقتصاد الدولة في شيء، فهم غالباً خارج الدورة الاقتصادية!
مشكلتنا تكمن في قوانينا الضعيفة، وفي تشتت قوانين الدخول والإقامة بين جهات ومؤسسات اتحادية ومحلية عدة، وبشكل غير منظم أقرب إلى الفوضى، ومع كل هذا الخطر وتضاعف الأرقام بشكل مفزع، فإن الوضع مازال على ما هو عليه، ومازالت الأبواب مفتوحة، رغم صفارات الإنذار التي انطلقت منذ أكثر من 10 سنوات ومازال الإغراق مستمراً، والإغراق هو مزيد من العمالة ومزيد من الوافدين بشكل عشوائي!
المواطنون يزيدون بشكل طبيعي، فخلال ستة أشهر ارتفع عددهم 14.6 ألف نسمة، ولكن هذه الزيادة الطبيعية، تصبح غير طبيعية عند مقارنتها بأعداد القادمين، في ظل استمرار الهجرة غير المنظمة إلى الدولة، واستمرار الإغراق، فإن عدد الوافدين مقابل هؤلاء المواطنين كان 50 ألفاً خلال ستة أشهر! في ظل هذه الزيادة غير المعقولة، هل لنا أن نتخيل الوضع بعد أقل من 10 سنوات!
لا شك في أن ذلك يعني الانتقال من قانون الإغراق إلى قانون الإزاحة، وقانون الإزاحة هو ذاته الذي يدفع الماء خارج القنينة بعد امتلائها إذا استمر «الصنبور» في عملية الضخ، وهذا بالضبط ما يحدث لنا اليوم، نحتاج إلى إغلاق هذا «الصنبور» حتى لا نصبح نحن الماء الذي يدفع إلى خارج الزجاجة!
الحل لن يكون في الاستغناء عن الوافدين، فلنكن واقعيين ونعترف بأننا لن نستطيع فعل ذلك، كما أن الحلول المطروحة التي يرددها العامة جميعها غير عملية وليست مفيدة، ولنعترف أكثر بأنه لا يوجد حل واحد ناجح لعلاج خلل التركيبة، المسألة معقدة وتحتاج إلى حزمة حلول، ولكن قبل هذه الحزمة نحتاج إلى ضبط عملية الدخول إلى الدولة الآن وفوراً قبل فوات الأوان.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.