كل يوم
ألا يوجد بديل للحبس؟
حكمت محكمة في الدولة على طباخ فلبيني الجنسية بالحبس ثلاثة أشهر نظراً لارتكابه جناية «الشروع في السرقة»، وذلك بعد أن أخذ، أو بالأحرى «سرق»، وجبة غذائية من المطعم الذي يعمل فيه تبلغ قيمتها 10 دراهم، ضبطها مسؤول المطعم في حقيبة هذا الطباخ الذي اعترف في التحقيقات بالسرقة.
بالتأكيد لو أن أياً منا كان مكان صاحب المطعم لترك الوجبة للرجل، ولما حول الموضوع للشرطة والنيابة ومن ثم للمحكمة، ولكن بما أن الواقع يقول إن الموضوع قد أصبح جناية كاملة الأطراف، من حيث فعل السرقة، وضبط المسروق، واعتراف السارق، فإن حكم المحكمة كان صحيحاً ولا يمكن الاعتراض عليه أو التشكيك فيه.
الحكم صحيح، ولكن إذا عرفنا أن كلفة السجين على الدولة في اليوم الواحد تراوح بين 100 و120 درهماً، مضافاً إليها تكاليف أخرى غير محسوسة مثل إضاعة وقت الشرطة ووكيل النيابة، ووقت القاضي، وهو الأهم، إضافة إلى تكاليف إدارية وتشغيلية عديدة، وعملية نقل المتهم من السجن إلى المحكمة، شاملة كلفة الحراسات ووقود السيارة، هل يا ترى هذه التكاليف التي خسرتها الدولة تتساوى مع فعل السرقة الذي قام به المتهم؟ هل يمكن مساواة مبلغ 10 دراهم قيمة الوجبة الغذائية المسروقة، مع قيمة كلفة السجين طوال ثلاثة أشهر، التي تقدر بـ10 آلاف و800 درهم؟!
بالتأكيد لا أقارن هنا بين فعل السرقة ذاته، فالسرقة جريمة تستحق العقوبة، ولا يمكن التهاون فيها، بغض النظر عن قيمة المسروقات، فسارق الدرهم يتشابه مع سارق المليون في سوء النية والفعل، ولكنه لا يشبهه في قيمة السرقة والضرر، كما لا يشبهه اليوم في حساب كلفة ذلك على الدولة من الناحية الاقتصادية الصرفة. ولا أقصد من ذلك أبداً إعفاء أصحاب السرقات البسيطة من العقوبة، ولكنّ هناك أنواعاً مختلفة من العقوبات يمكن معاقبتهم بها وهي مؤلمة بالنسبة لهم، من دون الحاجة إلى استخدام عقوبة الحبس التي تساوي مالياً أضعاف أضعاف ما سرقوه، ألا تعتقدون أننا بذلك نعاقب الدولة لا السارق؟!
السرقات البسيطة قصص غريبة وعجيبة لا نهاية لها، تحتاج إلى إعادة نظر، فالحبس ليس دائماً هو الحل، خصوصاً عند استخدام النظرية الحسابية التي تعتمد على قيمة المسروق مقابل 120 درهماً مضروبة في عدد أيام فترة الحبس!
ومثل ذلك الطباخ هناك ذلك العامل الذي سرق 44 درهماً من المحل الذي يعمل فيه، وتم ضبطه عبر إعادة تسجيل كاميرا المراقبة، ومثلهما رجل وامرأة يعملان بائعين، سرقا زيت شعر بقيمة 27 درهماً، وذلك الموظف العام الذي أخذ قرصاً مدمجاً لفيلم «أفتار» من السوق الحرة بمطار دبي وأخفاه في جيب جاكيته وانصرف من دون دفع قيمته، وغيرهم مئات الحالات الشبيهة.
نعم إنهم في النهاية سارقون، ويستحقون العقاب، ولكن لنكن واقعيين ومنطقيين، فالخصم من الراتب والغرامة المالية عقوبة، والفصل من العمل عقوبة، والإيقاف عنه لشهور قليلة أيضاً عقوبة، والإبعاد عن الدولة مع أخذ بصمة العين عقوبة، كل منها عقوبة مؤثرة ومؤلمة، خصوصاً لهذه الفئة من الناس، ولاشك أن القضاة قادرون على تعزيرهم، وفق ما يرون، بعقوبات أخرى تردعهم، فلم التركيز على عقوبة الحبس لمثل هذه الحالات؟ وهل الحبس هو العقوبة الرادعة الوحيدة التي يجب استخدامها حتى لو كانت مكلفة وتلحق خسائر بالدولة!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .