السلاح الأبيض والفعل الأسود

لم يكن خافياً على أحد أن السكين والفأس والخنجر ونحوها من أدوات الحديد الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس، فاتكة قاتلة، إنما لم يكن يخطر على بال أحد في هذا البلد الآمن أن تستخدم في الغدر وإزهاق الأرواح البريئة غِيلةً، بل تتخذ للأغراض النافعة عند طبخ البصل والثوم والقثاء، أو تقطيع اللحم وذبح الدجاج وبهيمة الأنعام.. لا لذبح النفس التي حرمها الله، وإقلاق الأمن، وترويع المجتمع الآمن، فهذا شأنٌ ليس من ديننا، ولا هو بأرض قومنا، ولا من نهج آبائنا وعوائدنا، فمن أين أتى إلينا هذا الفعل الأثيم والسلوك اللئيم؟ إننا إن فتشنا عن ذلك، فسنجد أنه أثرٌ سيئ من آثار رفقة السوء، ومحاكاة طبيعية لأفلام الرعب التي تبثها الفضائيات والسينمات والـ«سي دهات» غير المسؤولة، لا جرم أن الطباع تسرق الطباع، والنفوس جُبلت على المحاكاة من غير نزاع، كما قالوا:

عدوى البليدِ إلى الجليد سريعةٌ                   كالجمر يوضع في الرماد فيخمدُ

ألا ترى ذلك الشقي أحد ابنيْ آدم الذي طوعت له نفسه الأمارة بالسوء قتل أخيه، فقتله فأصبح من الخاسرين، فلم يكن يعرف كيف يغطي فِعلته النكراء التي أصبحت عبئاً ثقيلاً عليه، حتى تعلم من الغراب بالمحاكاة كيف يواري سوءة أخيه، وأصبح بعد جريمته من النادمين على تفريطه في جنب الله، بقتله النفس التي حرم الله من غير حق، بدافع الحسد الآثم، والإجرام الكامن.

ومعالجة هذه الأفعال النكراء تقتضي محاربة مسبباتها، حتى لا تنقل العدوى إلى الذين هم في الأصل وُدَعاء، وذلك بالقضاء على تلك التجمعات السيئة لأهل السوء الذين يسهرون على اللهو والباطل، ويسامرهم الشيطان ليخطط لهم فعل المنكر، وتساعدهم نفوسهم الأمارة بالسوء. والقضاء عليها يكون بثلاث وسائل؛ أولاها: تغيير الفكر الإجرامي الذي يغذي مثل هذه الأفعال؛ بإدخال عناصر مستنيرة في أوساط هذه التجمعات؛ لتصلح فيهم ما أفسده الدهر عليهم، فيتغير سلوكهم من إجرام متأبط، إلى نفع متحقق. الثاني: برصد حركاتهم أمنياً لمنع الجريمة قبل وقوعها. الثالث: بالعامل التربوي، ابتداء من المناهج التعليمية التي يتعين أن تكون مفعمةً بتعظيم حرمة الله وحدوده، ومروراً بخطب ودروس وبرامج ونشرات ولقاءات وندوات الوعظ، في كل وقت ومناسبة، فإن الوازع الإيماني هو الذي يحُدّ كثيراً من هذه الأفعال، وهذا غير قاصر على العلماء والدعاة بل يكون من الأبوين والمدارس والمجتمع كله، فليس هناك أحدٌ يجهل حكم أو خطر هذه الجرائم، فهي من المعلوم من الدين بالضرورة، أي يعرفها الخاص والعام، فكل من عرف ذلك فعليه واجب البلاغ والتبصير، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية»، وقوله: «رب مبلغ أوعى من سامع»، ولربما نفعت الكلمة الطيبة من الصديق أو الجار أكثر من كلمة الواعظ، الذي قد لا يسمع له لغرض أو لآخر. كما أن تَقنين حملها له دور كبير في الحدّ من هذه الأفعال؛ لأنه سيجعل حاملها عرضة للمساءلة والمتابعة واقتفاء الأثر، إلا أنه ليس كل شيء، فإن مثل هذه الجرائم، كما نسمع ونرى في الصور التي تنشر، ترتكب بسكين الطاهية والطابخة، أو بسندان ومطرقة البهارات.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة