أزمة مفتوحة

لا أظن أن الآثار السلبية المنظورة وغير المنظورة لأزمة «محافظ قنا»، في مصر، ستزول بمجرد استقالة المحافظ «المرفوض»، وتعيين آخر محله، حتى لو كان يحظى برضا معظم أهالي المحافظة، الذين يبلغ عددهم نحو ثلاثة ملايين نسمة.

فالأزمة التي اختلط فيها الديني بالسياسي، والطائفي بالحزبي، وديانة المحافظ بوظيفته السابقة، وحرية الرأي باستغلال الديمقراطية، للنيل من حريات وحقوق الآخرين، وتفاعل معها المصريون من الاسكندرية إلى أسوان، ليس من السهل أن تنتهي بصدور قرار جديد من رئيس الوزراء.

ومن سخرية الأحداث أن المحافظة التي تظاهر الآلاف من أبنائها، واعتصموا على خطوط السكك الحديدية، ومنعوا حركة القطارات بين القاهرة وجنوب الصعيد، احتجاجاً على تعيين محافظ قبطي، هي نفسها التي أنجبت أشهر سياسي برلماني قبطي في القرن العشرين.. هي المحافظة التي أنجبت مكرم عبيد باشا، الرجل الثاني في حزب الوفد وحكوماته سنوات عدة، ومنها كانت دائرته الانتخابية التي وجد منها الدعم والتأييد في مواجهة الاحتلال الإنجليزي والقصر الملكي ومرشحيه.

من سخرية الأحداث أيضاً أن عماد ميخائيل، المحافظ الذي لم يمارس مهام وظيفته، بات الأشهر بين نظرائه، وأكثر شهرة من محافظ العاصمة عشرات المرات، وهو ما يؤكده البحث في «غوغل». ربما كان من أسباب الأزمة الرئيسة أن حركة المحافظين الأخيرة جاءت شبيهة بما كان يتم في النظام السابق من حيث طريقة الاختيار والخبرات الوظيفية للمعينين، فاعتبر البعض أن عماد ميخائيل هو نسخة أو استنساخ للمحافظ السابق مجدي أيوب، الذي فشل في حل كثير من المشكلات، بما فيها التوتر الطائفي، لكن الأزمة قادت إلى أمر خطير، هو الحديث عن ديانة المحافظ، الأمر الذي ينال من قيم المواطنة، ويدق أجراس أنذار عدة. والمؤسف أن الحلول التي طرحت خلال الأزمة التي اعتبرها الأخطر منذ تنحي حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية، لم تنتصر لقيم المواطنة، وكانت أقرب إلى تسويات «المجالس العرفية» منها إلى طرح حلول سياسية. لكن ربما تكون هذه الأزمة «المعقدة» في أسبابها، المخيفة في بعدها الطائفي دافعاً إلى «إبداع» أساليب جديدة في اختيار المحافظين، لا تتجاهل رغبات الأهالي، وتعطي أولوية لمبدأ المواطنة.

alhefanawy@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة