(بوكدره..!)
يذكر من كان ذات يوم يدمن طريق دبي - العين أن آخر محطة استراحة رسمية كانت محطة بترول صغيرة بجوار ما كان يعرف بـ«دوار بوكدره»، حيث كان في تلك المحطة واحدة من أشهر الكافتريات الشعبية في التسعينات التي كانت تمارس علينا ذلك العبث اللذيذ قبل أن نعرف أجهزة الرقابة الغذائية وشركات استشارات الحمية ومطاعم الأورجانيك فوود: نقانق، ناشف، كلاوي، بيض مفور، كرك، سبجي، كيما. لم يشكُ أحدنا يوماً من تلبّك معوي ولم نعرف ما هي جرثومة المعدة، ربما بسبب العمر في ذلك الحين وربما بسبب بركة المكان، حيث كان الكثير من الطلبة والعاملين في القطاع العسكري يشيرون إلى منطقة قامت دائرة البلدية في دبي بتسويرها في دوار بوكدره، ويقولون إن هذا المكان مبارك وهذا القبر هو قبر أحد الأولياء الذي كان يسمى ذات يوم «بوكدره»!
ومع غياب التصريحات الرسمية لدائرة البلدية أخذت الشائعات والمعتقدات تتمدد أفقياً وعمودياً، ذات صباح ممطر كانت إحدى الآليات متوقفة على جانب الشارع في منطقة غير بعيدة من الدوار، فزعمت الجموع أن البلدية أحضرتها لكي تقتلع شجرة غاف كانت قد نبتت من قبر الولي ولكن «الشيول» تعطل عند محاولته اقتلاع الشجرة، فقامت البلدية بإرسال هذه الآلية التي تعطلت بدورها، وتمادى بعضهم فزعم أن سائق الآلية يرقد في العناية المركزة بعد إصابته بمس من قبل قوى ما وراء الطبيعة، فتحول مرورنا من جوار تلك المنطقة المسورة إلى فيلم للرعب وكثير من تلاوة آية الكرسي والمعوذات، والخرز الأزرق، وحرق «بليب» الوالدات في تلكم الأيام وسؤالهن الدعاء بالحفظ والنجاة.
تطور الأمر فأصبح البعض يحضر البخور ويقوم بطقوس عجيبة، حتى كتب الله الطفرة العمرانية فقامت الجهات المعنية بإزالة الدوار وما فيه و«من» فيه من إنس وجان، ليتوج بمشروع جسور الفراشة بقيمة 112 مليون درهم وتقاطع شارع الخيل مع طريق دبي - العين. ومازالت القصة مبهمة بلا تفسير وهناك من يقول إنه لاتزال هناك منطقة مسوّرة أسفل أحد الجسور لا يعلم سرها أحد، فهلا تكرمت علينا إدارة البلدية بما يطفئ فضولنا الصحافي؟ خصوصاً أن عدم التوضيح هو الذي سيفسح المجال للكثير من القيل والقال، والخراريف وقصص الجان وأساطير الأولياء.
***
بعيداً عن الحبيب «بوكدره» وفي موضوع آخر تماماً، ليس هناك من كلمة أكره رؤيتها على شاشة التلفزيون أو في نهاية المقالات مثل كلمة «يتبع» ولطالما أغاظتني المقالات المتسلسلة أو المرتبطة ببعضها أو التي تشير إليك لمراجعة مقال سابق، ولكن كثرة التهديدات التي تلقيتها أخيراً إن لم أكشف عن شخصية «جوزيف نانو» المذكورة في الأسبوع الماضي، وتحسباً لأن يرسل إليّ أحدهم اصبعاً مقطوعاً في ظرف، أجبرتني على الاعتراف، فجوزيف نانو كان الممثل الصوتي الذي أدى دور شخصية «شرشبيل» في النسخة العربية من مسلسل «السنافر» المصور. هذا كل ما في الأمر.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .