أقول لكم
الكذب صفة مذمومة، مكروهة، تسقط عن صاحبها الكثير من الحقوق، وقد كانت بعض المجتمعات والتشريعات ترفض شهادة الكاذب أو مجالسته، وحتى تزويجه. الكاذب منبوذ بين أهله ومعارفه، ويعتبر ناقص الأهلية في أعراف البعض، فهو إنسان غير سوي، وغير عاقل، وغير مؤتمن، لا يحفظ ذمة، ولا يرعى جيرة، خطاء، غلاط، مفتر، يحلف زوراً، ويستشهد دون سند أو دليل، يبني قصصاً وروايات من نسيج خياله، يأخذ واقعة صحيحة ويركب عليها وقائع كاذبة، يستخدم بعض الميزات التي يملكها، مثل فصاحة اللسان، أو قربه من بعض الشخصيات، أو قدرته على كتابة المقالات، يكذب ثم يكذب، ثم يصدق نفسه، خصوصاً إذا وجد شركاء له في ترويج كذبته، سواء كان أولئك الشركاء مبتلين بالمرض نفسه - أي الكذب - أو كانوا أصحاب أهداف تساعدهم الأكاذيب على تحقيقها، أو كانوا من الجهلة الذين يسهل انقيادهم خلف الآخرين، وكما تتسع دائرة الكذابين فجأة وتكبر، نراها بعد فترة وجيزة تضيق وتصغر، وتتطاير كما يتطاير زبد البحر ويختفي في لحظة.
قبل عامين ظهرت عريضة قيل إن 109 أشخاص وقعوا عليها، ولأنها كانت مرتبطة بقانون الأنشطة الإعلامية، وكنا معنيين بها، أردنا التأكد من بعض الأسماء الواردة فيها، وكانت المفاجأة أن تلك العريضة بنيت على الكذب، كذب من وقف وراءها على من قبلوا بوضع أسمائهم، وعندما بينّا ذلك تنادت منتديات الغش والتدليس والكذب للدفاع عن تزويرهم لبعض الأسماء، والتغرير بأصحاب أسماء أخرى، وتركيب أسماء لا وجود لها، وهكذا فعلوا في العريضة الأخيرة، وكما سكت عنهم في المرة الأولى سكت عنهم في المرة الثانية، ولم يعجبهم الأمر، وجدوا أن تأثير كذبهم محدود بعد أن استهجنه الكل، فإذا بهم يتحركون في اتجاهات أخرى، من موقع إلى موقع، ومن منظمة أجنبية إلى أخرى، ومن محطة تلفزيونية إلى صحيفة خارجية، أشاعوا الكذب في كل اتجاه، ثم بلغوا مرحلة التطاول على الوطن برموزه وثوابته، فهب الناس في وجوههم، تحركت أطياف المجتمع وفئاته، وقالوا بصوت واحد لا للكذب، تحرك الناس قبل أن تتحرك الدولة، وأصبحت القضية اليوم محصورة بين الناس، كل الناس، وبضعة أفراد ظنوا ذات يوم أن السكوت عليهم كان تردداً، واعتقدوا أن الاحتماء بمنظمة أجنبية في شأن داخلي سيوفر لهم مظلة تحميهم من الغالبية العظمى التى لا تحتاج إلى إذن أو أمر حتى تهب في وجه الكاذبين والمدلسين.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .