عصر الصورة
ربع سكان الأرض تابعوا زفاف الأمير البريطاني ويليام ومحبوبته كيت، ونسوا أو تناسوا لساعات أخبار الدمار والحروب والكوارث والمجاعات حول العالم، والثورات العربية واطلاق الرصاص على المتظاهرين والتفجيرات الارهابية. مليارا شخص تابعوا الحدث الأبرز أو «زفاف القرن»، الذي تفوق على «مونديال 2010» في عدد المشاهدين على الانترنت، فجعلوا كل الأحداث الجادة يوم الجمعة الماضي «على الهامش».
في «عصر الصورة» المنافسة ظالمة بين عربة الخيول الملكية وفستان «دوقة كمبردج»، وقائمة المدعوين التي تضم أميرات وأمراء وسياسيين ومشاهير في الفن والرياضة من جانب، ومشاهد دماء تسيل اعتاد الناس النظر اليها بأسى. قبل نحو 13 عاماً غبن «عصر الصورة» حق الأم تيريزا التي رحلت عن عالمنا من دون ما تستحق من اهتمام اعلامي سلط اضواءه على الأميرة ديانا وحادث مصرعها مع دودي الفايد. كان رحيل الأم تيريزا بعد خمسة أيام من مصرع الأميرة ديانا الغامض، فجاءت التغطية الإعلامية لوفاة الراهبة الألبانية الأصل «متقشفة» كحياتها التي نذرتها للعناية بالأطفال المهملين والمرضى والمجذومين والفقراء في بلدان بعيدة عن مسقط رأسها. خيار الإعلام كان واضحاً لمصلحة الأميرة الجميلة زوجة ولي عهد بريطانيا العاشقة لشاب من اغنى اغنياء اوروبا على حساب الراهبة.
ربما كانت «الصورة» هي السبب الرئيس في تركيز الأضواء على مصرع الأميرة وزفاف ابنها الأمير، لكن التوقيت كان العنصر الحاسم، أحياناً، في حرمان من أسدوا خدمات وبطولات لوطنهم مما يستحقون اعلامياً، ويبدو رئيس الأركان المصري السابق سعد الدين الشاذلي، أحد ابرز ابطال حرب اكتوبر، نموذجاً في ذلك.
كان الشاذلي يستحق أن يودعه عشرات الملايين إلى مثواه الأخير، لكنه رحل وثورة 25 يناير في ذروتها، وميدان التحرير في أعلى درجات السخونة، فدعا له المتظاهرون بالرحمة على أمل أن يكرموا اسمه في مرحلة لاحقة.
الشاعر المتمرد نجيب سرور نبهنا إلى مأساة التوقيت قائلاً في قصيدة بالعامية المصرية:
سيد يا درويش يا نابغة ليه تموت مسموم
والشعب ملبوخ في رجعة سعد من منفاه
ميت في يوم القيامة مين على المرحوم
هيبكي.. والكل أصبح وشه زي قفاه
كان الراحل نجيب سرور يقصد الفنان العظيم سيد درويش مطرب ثورة ،1919 وسعد زغلول زعيم الثورة الذي عاد من المنفى رغم انف الاحتلال.
قسوة اللحظة تبدو في تزامن حدثين عظيمين، لكن كم أبعد الإعلام أحداثاً جديرة بالاهتمام عن بؤرة العدسة من أجل «جمال الصورة».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .