أقول لكم

الصدق عنوان، والإنسان عندما يملك وسيلة تواصل مع الناس يكون مسؤولاً عن كل كلمة يقولها، فالكلمة مسؤولية، والحرف مسؤولية، والقصد مسؤولية، والموقف مسؤولية، فإذا جمعت كل الأفعال الصادرة عن شخص تكونت صورته، وتحددت ملامحه، وبانت مآربه، القلم لا يكذب، والـ«بلاك بيري» لا يكذب، ولوحة مفاتيح الكمبيوتر لا تكذب، وكذلك الـ«فيس بوك» و«تويتر»، كل تلك وسائل نقل لذلك العنوان المرسوم فوق جبين من يسخرونها لإيصال كلماتهم، بقصد أو بغير قصد، بفهم أو بجهالة، بفردية دافعها شخصي وذاتي، أو بشراكة وتحريض فئوي وتنظيمي، الصدق عنوان، كما أن الكذب عنوان.

في زمن قديم، ومع تكون أول دولة إسلامية متكاملة، راجت التجارة، وتفتقت الأذهان عن إبداعات وابتكارات، وظهر فن التسويق والترويج، وتم تطويع الرائج من الوسائل لخدمة الأغراض، فذهب أحدهم إلى الحديث النبوي الشريف، زوّر حديثاً وأسنده إلى خير البشر، صلى الله عليه وسلم، وكان في فضل الثوم، فالرجل كان زارعاً للثوم ولديه كميات يريد أن يسوقها، ولم يترك حسنة إلا قالها، ولم يترك مرضاً لا يشفيه الثوم، وكانت الوسيلة الأخرى الرائجة هي الشعر، وهي وسيلة سريعة الانتقال بين الناس، وسهلة الحفظ والترديد، ذلك التاجر صنع عباءة نسائية سوداء اللون، وكانت النساء لا يلبسن في ذلك العصر اللون الأسود، وتفنن الشاعر، أطلق ذلك الموشح الشهير حتى يومنا هذا «قل للمليحة ذات الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد»، وانتشر الخمار الأسود، وهي العباءة، وسوّق الرجل بضاعته!

واليوم يسوّق تجار البضائع الكاسدة أنفسهم عبر الوسائل الحديثة، وهي وسائل طبيعية، تتكيف حسب الأهواء والأغراض والأهداف، وتتلون كما تتلون المواقف، وبناء على المقاصد، ومن يُرِد أن يكون بطلاً يفعل ذلك، ومن يُرِد أن يمرر منهجاً مشبوهاً يفعل ذلك، ومن يُرِد أن يروج لفكر ساقط يفعل ذلك، وقد يجدون من يتفاعل معهم، بداية، نتيجة انبهار أو انجذاب أو انجراف، وربما ليجربوا كما فعل الثوم ومن بعده الخمار الأسود، ولكن الحقيقة تظهر سريعاً، وتتكشف، ولا يدوم غير الصدق، والصدق عنوان، للإنسان أو الطائفة أو الجماعة، وهو عنوان يرفع صاحبه عالياً، على عكس الكذب والغش والخديعة، فهذه عناوين للسقوط، وقد سقط كثيرون أخيراً!

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة