أبواب

قتل الأشجار

خليل قنديل

ما من كائن مسالم ومهادن للشرور الأرضية مثل الأشجار، فإذا أتيح للواحد منا أن يحدّق في هذه الوحدة الموحشة للأشجار، في انتصابتها الشجرية، في الغابات والحدائق العامة، وعلى أكتاف الشوارع والأرصفة، أو حتى في تلك الأشجار التي تسيّج البيوت باخضرارها وبثمارها الطيبة، لابد أن يدرك تلك القيمة الوجودية التي تمنحنا إياها تلك الأشجار، وهي تُجمّل حياتنا بكل هذا الأخضر المزدهر.

إذا حدّقنا قليلاً في أثاثنا البيتي والمكتبي، ولامسنا بأصابعنا العدوانية نوعية هذا الخشب، علينا التخلي قليلاً عن هذه المهادنة الحيادية في اللمسة، والذهاب عميقاً في تلك التحديقة، كي نكتشف أن هذا الخشب الذي صار أثاثاً، كان في الأصل مجموعة أشجار سامقة، كانت تقيم ربما على ضفاف نهر أو بحيرة أو حتى على قمة جبل، وأنها قد تعبت لسنوات طويلة في التأسيس لخلقتها الشجرية، وبقيت تعمل على تمثيلها «الكلوروفيلي» حتى طالتها يد الإنسان، وقصفت قامتها بذاك المنشار الكهربائي الهائل، ورحلتها في شاحنات عملاقة، حتى تستقر في المصانع، وتتوزع بعد ذلك في البواخر والسفن العابرة للقارات، كي تستقر في البيوت والمكاتب، بهذا الجمال الخشبي المخاتل.

إن التطاول العدواني على الطبيعة، الذي تقوم عليه حضارتنا الآنية، وتصاعد الدخان الأسود الذي تنفثه مصانعنا في وجه السماء قد أفسد الهواء والأوكسجين، وولد ثقب الأوزون الذي قاد مناخ الكوكب إلى حالات جوية فكاهية، ليس أقلها ارتباك قيعان المحيطات بالزلازل و«التسونامي» الذي يطفح من القيعان المحيطية حتى يلتهم بأمواجه الهائلة اليابسة، ليقتلع الأشجار والبيوت من جذورها، بل أيضاً بالأعاصير والرعود المُزلزلّة لطبقات الريح، التي صارت تستجيب هي الأخرى لهذا الارتباك الأرضي، لتولد الحرائق الهائلة التي تحرق الأخضر واليابس لكل الأشجار التي كانت آمنة في إقامتها الأرضية.

والعدوانية الشجرية التي صارت ملمحاً من ملامح إنساننا المعاصر، صارت تقوده إلى ارتكاب حماقات حرائقية وسط الغابات لينهض الحريق الذي يأتي على مساحات حائلة من الدونمات بتلك الحرائق التي يحملها الريح إلى كل الغابات المجاورة.

ولعله ليس من باب المصادفة أن يفسر أحد شعراء آسيا سر ذاك النحيب الذي يخرج من صوت الناي، وأن سرّ هذا البكاء أن عود القصيب ينتحب على تلك اللحظة التي قطع فيها عن اتصاله بشجرة القصيب الأم، وأصبح ناياً.

إن عالمنا القائم، بكل حضارته المقترحة، بحاجة إلى وقفة تأمل لمعالجة هذه الهجمة الدموية لقتل الأشجار، ومعاملة بيئتنا الشجرية بخلوصية حقيقية تنم عن وعي بضرورة تحريم الاعتداء على أي شجرة، وإدخال هذا النهج في القانون، باعتبارها جريمة تستحق العقاب.

khaleilq@yahoo.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر