مسؤولية يتحمّلها الجميع
الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء، أول من أمس، هي الأهم على مستوى موضوع النقاش والقرارات التي نتجت عنها، فلا شيء أكثر أهمية، أولا أولوية تتفوّق على تحدي التركيبة السكانية التي تؤرق مجتمع الإمارات، والتعامل مع هذا التحدي هو كما وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «يمثل إحدى الأولويات الوطنية، والموجهات الأساسية في عمل الحكومة».
جميع الجهات المعنية، محلية كانت أم اتحادية، بل جميع المواطنين أيضاً، مطلوب منهم العمل بجد لوضع قرارات مجلس الوزراء في إطار التنفيذ الدقيق، والعمل بشكل واضح لمعالجة هذا الخلل، وبشكل يجعل الوطن هو الأولوية في كل شيء، وفي مقابل ذلك تهميش وتغييب كل مصلحة فردية أو آنية.
مجلس الوزراء أقر حزمة من القرارات المهمة جداً، التي يضمن تنفيذها خلال السنوات المقبلة تطبيق نوع من التوازن في مجال التركيبة السكانية، بالتأكيد المسألة ليست سهلة، ولم يدعِ أحد أن هذه القرارات ستعالج التشوهات كافة، والخلل العميق الموجود، لكنها بكل تأكيد ستسهم في خلق كثير من الاستقرار والاطمئنان لدى المواطنين، وستساعد على تحسين الأرقام، وتمكين المواطنين وجعلهم المحور الرئيس في عملية التنمية، وهذا أكبر إنجاز ممكن وفق المعطيات الحالية الموجودة.
قرارات سيادية مدروسة ومتأنية، لم تكن متطرفة كما هي آراء كثير من الناس الذين يطرحون حلولاً صعبة بل تكاد تكون مستحيلة، كما أنها ـ أي قرارات مجلس الوزراء ـ عملية ومنطقية ومقبولة، لامست المشكلة الحقيقية، وعرفت مكامن الخلل، وعملت على سد الثغرات، فلم تكن سيفاً مسلطاً على رقاب أصحاب الأعمال والقطاع الخاص، بقدر ما هي متوازنة تهدف إلى ضبط السوق، وضمان زيادة الإنتاجية، من دون زيادة العمالة.
ركزت القرارات على القطاع الخاص، باعتباره أكثر القطاعات جلباً للعمالة الماهرة وغير الماهرة، ووضعت الخطوط العامة التي يجب أن يعمل لها خلال الفترة المقبلة، كاسرة بذلك سنوات من العشوائية في هذا القطاع، تسببت في نهاية الأمور في وجود ملايين من البشر، ربما لا تستفيد الدولة من وجود نصفهم شيئاً!
الآن الموضوع أصبح أكثر تنظيماً وأكثر جدية، فالباب ليس مفتوحاً للشركات العامة والخاصة، لجلب من تريد وكيف تريد ومتى تريد، بل هناك ضوابط وخطوط رئيسة لا ينبغي تجاوزها، وهناك تحفيز للاعتماد على التقنية والتكنولوجيا الحديثة لتقليل أعداد العمالة، وهناك توجيه بإنشاء مراكز خارجية، لاختبار وتدريب العمالة في البلدان المصدرة لها، لوقف الاستقدام غير المنظم للعمالة، وهناك خطة عامة لتقليل العمالة غير الماهرة في قطاع الإنشاءات، والتي تشكل نسبة كبيرة جداً من إجمالي السكان.
ولاشك في أن هذه هي خطوات البداية، وهناك كثير من الخطوات التي يمكن أن ترى النور لمعالجة هذا الجانب، والمطلوب الآن تكاتف الجميع، لوضع هذه القرارات موضع التنفيذ، وعدم التهاون أو الاتكالية في تنفيذها، فالمسألة تمس كل فرد في المجتمع، كما تهم الأجيال المقبلة كافة من أبناء هذا الوطن، وهذه مسؤولية تاريخية يجب أن يتحملها الجميع.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .