لا توجد دولة محصّنة..
«ميزة دبي أنها تجعل شعور الدهشة لا يفارق زائرها، الدهشة في كل زاوية، وفي كل تفاصيل الأمكنة، والدهشة الكبرى أن هذا الشعور يستمر معك طوال أيام زيارتك لها».. تعليق جميل هو أجمل ما سمعت خلال انعقاد منتدى دبي للإعلام، الأسبوع الماضي، لم يكن من زائر عادي، بل كان من شخص واعٍ، وعلى درجة عالية من الثقافة أوالسخرية من الواقع العربي في آن واحد، إلا أن دبي كانت بالنسبة له استثناء.
ضيوف كثر، صحافيون ورؤساء تحرير، ومثقفون من جميع أنحاء الوطن العربي، نثروا أفكارهم وآراءهم في جنبات وقاعات المنتدى، منهم من بلدان الثورة، ومن يؤيدها، ومنهم معارضون لها، وبشدة، ليس انتقاصاً منها، لكن امتعاضاً من نتائجها، لكنهم جميعاً اتفقوا على شيء واحد، وهو ما ردده جميع من التقيتهم، في لقاءات ثنائية أو جماعية: «الوضع عندكم مختلف، ولا تجوز المقارنة أبداً بين ما يجري هنا، وما جرى ويجري في بقية الوطن العربي».
ومع ذلك كان جواب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم واضحاً وصريحاً، عندما سأله إعلامي شهير، خلال لقاء مع القيادات الإعلامية العربية على هامش المنتدى، هل تعتقد أن هناك دولاً بمنأى عما يحدث في الوطن العربي؟ فأجاب: «بالتأكيد لا، لا توجد دولة عربية محصنة مما حدث، ولكن هناك أخطاء كبيرة حدثت في ردود الفعل».
نعم لا توجد دولة محصنة، لكن هناك ظروف مختلفة، وأسباب مختلفة، وأيضاً ردود فعل ونتائج مختلفة بين الدول العربية، ونحن هنا لا نقارن بأي منها، هذا ما اتفق عليه جميع من سمعتهم، من بلدان الثورة وغيرها.
لا نختلف على أهمية المشاركة السياسية، ولا يوجد بالتأكيد نظام فاعل وناجح، من دون أن تكون عليه رقابة من سلطة رقابية مستقلة، ومن الضروري جداً أن تكون هناك سلطة تشريعية غير مرتبطة بالتنفيذية، ولابد من أن يحظى الشعب بكثير من الحريات حتى يعيش في كرامة، واستقرار، ولكن هل كل ذلك مربوط فقط بالديقراطية الغربية، إن وجدت وجد كل ذلك، وإن فقدت فلا حياة للشعوب؟!
هل الديمقراطية التي تؤدي إلى رخاء الفرد، هي تلك التي شاهدناها في مجلس الأمة الكويتي، حيث طغى صوت «العقال» على صوت العقل؟ وهل حرية الشعوب هي في تحطيم اقتصاد البلاد، وإرجاع مستوى الحياة عشرات السنوات إلى الوراء، وخروج الملايين إلى الشارع، للمطالبة بأي شيء، وكل شيء، وبسبب ومن دونه أحياناً، لمجرد الشعور بحرية التعبير والصراخ والاندفاع لمجرد الاندفاع؟
لا نقلل أبداً من الثورات العربية، خصوصاً تلك التي قامت ضد القهر والفقر والذل والفساد، ولكن ماذا بعد هذه الثورات؟ وما نتائجها؟ إن كانت ستؤدي إلى حياة أفضل فكلنا من دون شك معها، أما إذا كان الفساد والظلم والفقر ستظل كما كانت سمات رئيسة في المجتمع، فما الذي سيفرق عند الشعب، إن كان النظام ديمقراطياً أم ديكتاتورياً؟!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .