5 دقائق
«راعي فزعة!»
تكون في وسط الطريق المهلك الواصل بين الضبعية وحميم، وهو لمن لم يجربه طريق بطول 140 كيلومتراً، «رايح راد»، كما يسمونه، ليس فيه أي محطة بترول أو أثر للحياة، تبلغ درجة الحرارة فيه في هذه الأيام أقل بقليل من تلك المسببة لانشطار الهيدروجين على سطح الشمس، تتلف إحدى عجلات السيارة لتكتشف، كما هي العادة في هذه المواقف، أن بطارية هاتفك المتحرك قد نفدت في هذه اللحظة تحديداً، وأنك قد نسيت الشاحن، ولا تحمل العجلة الإضافية، تؤدي صلاتك الأخيرة وتقف على أمل مرور سيارة، تمر الساعات محرقة وبطيئة حتى يمر ذلك الشاب بسيارته التي تطابق سيارتك في الموديل، وهو يحمل أربع عجلات إضافية دفعة واحدة، ولديه «كارتون» ماء مثلج، تلمحه بوضوح وهو يتكلم في هاتفين كل منهما بسماعة، تشير إليه فيغمز لك و«يصقعك بويل»، ويكمل طريقه، دون أن يكلف نفسه حتى دقة «هورن» من باب التعاطف، تغتاظ قهراً وأنت تبتلع الغبار الذي أنتجه مروره، وتكاد تبكي عندما تلمح بوضوح ذلك اللقب البارز على غطاء العجلة الاحتياطية الذي أطلقه على نفسه: «راعي فزعه!».
انتهى بنجاح ملحوظ منتدى الإعلام العربي قبل أيام، لكن مع الأسف، فإن عدداً من الإعلاميين المحليين لم يكن همهم الاستفادة بقدر اللهاث وراء أسماء معتصم فيها ومعتضد، يتحدث المنتدى عن «عواصف التغيير» وأغلب همّ ذلك الإعلامي هو أن يلقب بـ«عصفور الشاشة»، يتناقش الفطاحلة في «مخاض الإعلام الجديد»، وهدفه هو أن يكون «أصغر مخرج» بعد المخاض، يتحاور المتحاورون في «نهاية عصر السرية»، ويحلم هو بأن يكون «صاحب أجمل شفتين»، تختلف الآراء حول «صورة العربي بعد الثورات»، وغاية مناه أن يكون «أجمل وجه إعلامي»!
حتى إن أحدهم أمضى أربعة أيام من أصل يومي المؤتمر وهو يدافع باستماته عن قناه إقليمية، أنها الحصن الأخير لأخلاق الأسرة الخليجية، على الرغم من أنني لم أشاهد فيها دعاية معجون أسنان أو مشروب غازي أو شوكولاتة أو علكة أو شاي إلا وتنتهي بموعد غرامي، حتى أصبحت أؤمن بأنني سألتقي فتاة أحلامي لدى شراء سمبوسة في القريب العاجل، واتضح في ما بعد أن الاستماتة في الدفاع سببها أنها «خلعت» عليه لقب «محبوب الجماهير»، وكم وكم من المستحقين الحقيقيين لم ينظر لهذه الأمور لعلو كعبه الحقيقي، هل سمع أحدنا عبدالله بن خصيف يطالب بلقب «صحاب الصوت الملائكي؟»، هل طالب أحمد أميري بلقب «الإعلامي الأخف وزناً؟»، هل سأل عبدالله الزعابي عن لقب «الرجل الذي لا تفلس مؤسسته؟»، وهل نادى راشد الخرجي بـ«الرجل الصاحي في السابعة دوماً؟».
الجميل أنه بعد انتهاء المؤتمر انتخى «من النخوة لا نخة البعير»، مدير إحدى القنوات المحلية ودمعت عيناه كالعادة، وأعلنها مجلجلة كأول نتيجة استلهمها وهي أنه قرر ارسال فريقاً من تلفزيونه إلى الأقطار العربية كافة قريباً لاكتشاف «نجوم الغناء الجدد!»، صدق إنه «راعي فزعة»!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .