للفتنة مكان في القمة

بين الثورة والفتنة خيط رفيع، قد لا يمنع الثانية من أن تبغي على الأولى، فتقلب الحركة من أجل المطالب المشروعة إلى حركة فوضى منظمة، أو حتى غير منظمة، تأكل بعدها كل المطالب وتعيد الأوضاع إلى ما دون المربع الأول. وهنا يكون الفصل للحكمة، إن كانت من نظام حاكم، أو من حركة شارع، أو من قوى سياسية.

في تونس ومصر غلبت الحكمة الحُمق، وأبقيت الثورة والثورة المضادة داخل ميدان المنازلة، وعلى الرغم مما اكتنفها من محاولات للخروج عن النص إلا أنها عادت لتنتهي في إطارها الذي حفظ للدولتين وجودهما، ولتتم عملية التغيير التي طالب بها الناس في إطارها، على الرغم من محاولات الجذب التي تتعرض لها من دون أن تستطيع أن تمنعها من تنفيذ حتمية التغيير.

في ليبيا واليمن وسورية غابت الحكمة، وغلبت روح المناطحة، وانتصر فكر «يا ذابح يا مذبوح»، ولأن الذبح هو القاسم المشترك بين أطراف النزاع، الأنظمة المتسلطة والشعوب الثائرة، فإن النزال تحول إلى فتن عظيمة قتلت وأبادت وحرقت وخربت أوطاناً وفتحت أبواباً للطامعين، خصوصاً الغربيين الذين يقفون عند كل باب ينفتح على تحقيق المزيد من أطماعهم في خيرات الشعوب، لينفذوا منها بسلطان الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان. فعندما ترتبط الدول بأشخاص وتغيّب المؤسسة تصبح الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات أمام أي هزة تقع، ويكون ما تسمى بالجبهات الداخلية حصوناً من ورق، ويكون الجميع في مهب الريح لأن الكل لا يظن بالآخر إلا أنه يحمل سكين الغدر خلف ظهره. وعلى الرغم من أن اسم الشارع مرتبط بالغوغاء إلا أن ما يحدث في تلك الدول أظهر أن للغوغاء مقعدها في قمة الهرم، وأن الفتنة أصبحت صناعة من يُعول عليه وأدها بالحكمة والفعل الحسن.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة