سيكولوجية بعض القادة العرب
في خضم الثورات الجماهيرية العربية المتلاحقة في أكثر من بلد عربي، يمكن وببساطة ملاحظة التركة التاريخية العربية الموجعة في فهم الزعامة لهذا النظام أو ذاك، ذلك أن هذا العداء التاريخي المستحكم بين جميع أطياف الشعب والقيادة السياسية يحيلنا إلى ضرورة العودة لمراجعة فهم القيادة السياسية العربية تاريخياً، ابتداء من اجتماع سقيفة بني ساعدة، مرورا بكل القادة والزعماء عبر القرون العربية المتراكمة وانتهاء بزعامة القيادات السياسية التي أنتجتها الدولة العربية المعاصرة.
فقد كشفت بعض الزعامات العربية، التي نهض الحراك الشعبي والجماهيري في عواصمها، عن استبداديتها العجيبة، وأنّ هذه الزعامات والقيادات هي الحفيدة الشرعية لسلطة العرب والشرق عموماً في إنتاج الطاغية والديكتاتور الذي يعتقد أن شعبه ملكية خاصة، يمكن له أن يفعل فيها ما يريد من قتل وخنق وسحل وحفر المقابر الجماعية والذهاب إلى حد الاغتصاب وسلخ الجلد!
إننا حينما هتفنا خلف الزعيم الأوحد شعوباً ساذجة في تكوينها الاجتماعي والمديني، كنّا نفرح لرفرفة العلم، والنشيد الوطني، وتلك السمنة في الصوت التي تميز صوت مذيع نشرة الاخبار، واحتفالاتنا السنوية بعيد الجلاء أو عيد الاستقلال، لم نكن ندري أننا نؤسس لتعميق مفهوم الماضوية العربية في استيعاب زعاماتنا السياسية التي تملك كل شيء حتى الأوكسجين الذي نتنفسه.
نعم لقد تركنا المفهوم التقليدي للزعامة الراسخة في وجداننا الجمعي ينمو ويتورم، بمنأى عن كل انخراطاتنا في التوقيع على المعاهدات الدولية والتأسيس لمنظمات دولية لها علاقة بحقوق المرأة وحقوق الانسان عموما.
نعم لقد ذهبنا بعيداً في تحضرنا الوهمي، تاركين تخلفنا في فهم القيادة والزعامة في منطقة نائية وإزاحتنا المتعمدة له في مزجه مع مضارعنا الحياتي، وتعريضه للفحص أو للاختبار، كي لا تأتينا تلك الصفعة المدوية من الكف التاريخي للزعامة.
نعم كانت صفعة بعض الزعامات العربية في امتحان الثورات الجماهيرية المتلاحقة تكاد لا تصدق، وهي تطلق قواها الأمنية في الميادين والشوارع والأزقة بكل هذا البطش، الذي خلف كل هذا العدد الهائل من الضحايا والقتلى بدم بارد.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، على المواطن العربي أن يتوقف طويلاً عند وصف العقيد معمر القذافي للجماهير الثائرة عليه بـ«الجرذان»، مطالباً بمحقهم وقتلهم على الطريقة الصينية أو الروسية وحتى الأميركية، مستفيداً من أمثلة تاريخية في هذا الخصوص.
إنّ على الثورات الجماهيرية والعربية المتسارعة الحدوث، وقبل أن تطالب بإسقاط النظام، أن تبحث عن صيغة حضارية لبناء سيكولوجية القائد الجديد، الخارج بالفعل من رحم الغضب الشعبي وحق المواطنة، ومحق تلك القيادة التسلطية الخارجة من رحم ديكتاتوريات تاريخية، تجذرت طويلاً في تاريخنا ولاتزال.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .