أبواب

حمزة الخطيب..أيقونة سورية

علي العامري

هل كان يعرف الفتى السوري حمزة الخطيب أنه لن يكمل عامه الرابع عشر؟ وهل كان يرى الموت في الطريق الى المدرسة أو المخبز؟ هل كان يعي أن كتبه المدرسية ستغدو يتيمة قبل أن يدخل صفاً جديداً، ليعرف أكثر عن جغرافيا بلاده وتاريخها وحدودها وثرواتها وجيشها ورجال شرطتها العلنية والسرية؟

هل كان يتوقع الفتى حمزة أنه سيودع أصدقاءه مبكراً، وأنه يمشي على درب الشهادة، وأن اسمه سيصبح نجماً يسيل دماً فوق عتمة القتلة؟ هل كان يدري أنه سيصبح « أيقونة » من دم وحرية مثل الشهيد الفلسطيني محمد الدرة، والشهيد المصري خالد سعيد، والشهيد التونسي محمد البوعزيزي؟ هل كان يرى روحه البريئة تتلألأ في سهل حوران وتزيد حمرة التراب حمرة قانية؟ هل كان يقرأ فتى درعا نداء الأرض وهو يرفع صوته عالياً عالياً في الأعالي؟ هل كان يعرف أن صرخته العليا، ودمه العالي، ونشيده العالي ستبقى تتردد بينما يأوي إلى سرير القبر؟

هل كان يعرف حمزة، ابن بلدة الجيزة، جارة درعا، أنه سيغيب شهراً كاملاً في عتمة مسننة حتى يعود جثة إلى أهله؟

هل كان يعرف خاطفيه أو معتقليه أو معذبيه أو قاتليه؟ هل كان يعرف أن جسده الصغير سيصبح خارطة جديدة للتعذيب والقتل الوحشيين، وأن جثته ستغدو خارطة دليل على إدانة المجرمين؟

غاب حمزة شهراً، وظلت أمه تنتظر ليلاً وراء ليل، وصبحاً وراء صبح، وتعد الأيام والليالي والهواجس، وتفرد حزنها في البيت، وتعلق أملها على الأشجار، وتمدد صمتها على العتبة، وتنادي: يا حمزة، عد إلى البيت يا ابني، هنا أخوتك يعلقون أبصارهم على النوافذ يرقبون حضورك، هنا فراشك بارد ووحيد، ومخدتك المطرزة بأحلامك يا ابني تنتظر نعاسك. يا حمزتي، أين أنت؟ عد فالبيت شاحب من دونك، وآنية الورد عطشى في غيابك، وظلال الزيتونة جفت من شدة الأسى. يا أيها الفتى، روحي تتشقق، وعيناي تغيمان، وقلبي يرتجف، عد إلى البيت عد، وقل لأخوتك إن الشمس تشرق في غد جديد مثل دفاتر اليوم الأول في الدراسة. عد يا حمزتي، وقدني إلى القبر قبلك.

لكن حمزة عاد جثة، وسبق الزهور إلى المقبرة. عاد خارطة طريق إلى حرية وشمس ونشيد.

حمزة عاد أيقونة تضيء صرخة كبرى في بلاد العرب.

عاد حمزة، لكن القتلة كسروا رقبته، لأنه كان يحمل خبزاً وحلماً وشموساً، وكشف حقيقة القتلة ليعرفوا أنهم مسوخ، بينما هو باسق مثل سروة في أعالي الجبل.

عاد حمزة، ولكنه هذه المرة، جاء بصمت ليصغي إلى غد يتكون مثل جنين.

عاد حمزة، لكن سريره الصغير لايزال يحلم بعودته ذات صباح.

 alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر