قليلاً من الخجل

حسناً، ولا بأس، فليست « الثورات » الشعبية العربية نتاج مؤامرة حيكت في الغرف السود، وإنما هي تعبير عن احتقان شعبي عربي، سببه القمع والاستبداد والظلم.

ليس لنا اعتراض على هذا كله، وكل من يقول غير ذلك هو من أتباع نظرية المؤامرة الساذجة والغبية، التي درجنا نحن العرب على التشبث بها، بوصفها ثقافة جرى ترسيخها عبر عقود من الزمن، تتعين وظيفتها في الحفاظ على الأنظمة المستبدة، تماماً كفكرة الممانعة التي هي أيضاً ثقافة مخادعة، مهمتها الحفاظ على النظام في سورية.

وقد قيل أيضاً إن فيروس الثورة شديد العدوى، إذ تنتقل الثورات في سهولة ويسر، وهذا ما جعل الثورة العربية تنتقل فجأة من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وسورية، ونستثني البحرين هنا، لأن المعارضة هناك مرتبطة بأجندة خارجية، كما أشار المفكر العربي عزمي بشارة! كما نستثني المغرب أيضاً، لأن النظام هناك يقوم بإصلاحات جوهرية تشكل جزءاً من مطالب الجماهير!

الغريب في الأمر كما يقول المفكر عزمي بشارة، هو أن كثيراً من المثقفين العرب، يريدون الثورة في دول الاعتدال العربية، ولا يريدونها في دول الممانعة، وهو محق في استغرابه ودهشته، لكنه ليس مندهشاً ممن ينظّرون للثورة في دول الممانعة، ويتلجلجون في الحديث عن دول الاعتدال!

حسناً، ولا بأس، فالثورات اقتراح جماهيري عربي، ومن الطبيعي والحال كذلك، أن تنتقل الثورة إلى الجماهير الفلسطينية في المنافي، وكما لعب « فيس بوك » و« تويتر » دوراً في انفجار الثورات العربية، فإن هذه المواقع لعبت دوراً في تغيير قواعد إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، فإذا كانت الجماهير العربية قدمت الشهداء وأسقطت أنظمة عاتية، وهي مرشحة لإسقاط المزيد من الأنظمة البوليسية، فإن الجماهير الفلسطينية في المنافي قررت أن تأخذ المبادرة، وتشتبك مباشرة مع العدو الصهيوني في ذكرى النكبة الماضية، وفي ذكرى النكسة المقبلة بعد أيام.

ولكن ما لا قبل لنا بتحمله هنا، هو أن تكون حركة الجماهير الفلسطينية في ذكرى النكبة قبل أسبوعين، هي نتاج نظرية المؤامرة، كما طرحها كثير من المثقفين والمفكرين الثوريين العرب، الذين رأوا خلفها أصابع سورية، كان الهدف من ورائها صرف الأنظار عما يحدث في الداخل، وتوجيه رسائل إلى الإقليم كله، بما في ذلك العدو! وهنا نقول ما قاله المثل « احترنا يا قرعة... »، فأنتم تتهمون من يشكك في الثورات العربية، ولا تتورعون عن اتهام الجماهير الفلسطينية بأنها أداة أو ألعوبة، أي أن « محمد يرث.. محمد لا يرث ».

اسمحوا لنا أيها السادة، فإما أن يرث وإما ألا يرث. إما أن تكون المؤامرة موجودة حقاً، وبالتالي فهي قادرة على التسلل إلى الثورات كلها، وإما أن تكون الجماهير بريئة وعفوية تماماً، فينطبق هذا على الشعب الفلسطيني الذي ذهب للاستشهاد على الأسلاك الشائكة وحقول الألغام، وليس لأحد حق توزيع الشهادات الثورية على جمهور ما، وحجبها عن جمهور آخر، وفق رغباته وأمنياته أو أحقاده، فإذا خرجت الجماهير بصدورها العارية ضد النظام هنا أو هناك، فإن الفلسطينيين هم من أكثر الجماهير العربية خبرة في تعرية الصدور أمام الرصاص! واخجلوا قليلاً، لئلا نضطر إلى إلقاء تساؤلات أكثر سخونة، تتعلق باندفاع نخب ثقافية في بلد ما، أكثر من سواها في بلد آخر! والأجوبة موجودة في التاريخ والجغرافيا، أليس كذلك؟

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة