من المجالس

الكيماوي «أهوَن»

عادل محمد الراشد

لي صديق لا يشتري الخضراوات الطازجة إلا من «سبينس». ولا يثق إلا بالطماطم الهولندية، ولا يطمئن إلا للخيار الإسباني، ولا يرتاح إلا للخس الأميركي، ولا تملأ عينيه إلا البطاطس الأيرلندية، مستعد لدفع ثمن طبق السلطة 10 أضعاف سعره من المنتجات المحلية، على ألا تنخر أحشاءه وأحشاء أفراد عائلته «اليوريا» والمركبات الكيميائية الضاربة لكل المعايير، والمتخفية عن عيون الرقابة، حسب قوله.

صديقي هذا لم تجافِ ظنونه كل الحقيقة في المنتج المحلي والقادم من دول الجوار الخليجي ودول المحيط العربي الأوسع. والقول بتجاوز هذه المنتجات الزراعية المعايير الصحية المطلوبة لم تدحضه حتى الآن أي تطمينات موثوقة تكذّب دخول حبة الخيار في حالة ترهل واستهوان بعد يوم واحد من حفظها في الثلاجة. وعلى الرغم من ذلك انقلب موقف الرجل رأساً على عقب، بعد شيوع أخبار الخيار الألماني القاتل، واستشراء بكتيريا «إي. كولاي» القاتلة في عدد من الدول الأوروبية، فقد قطع اليقين الطريق على الشك. والأكيد الآن أن أشخاصاً فارقوا الحياة، وآخرين يرقدون في أجنحة العناية الفائقة في مستشفيات ألمانيا وجاراتها، بينما تأثيرات «اليوريا» وأخواتها فتبدو متفرقة في دمائنا التي تبدو عصية على البكتيريا، لأنها منهكة بالأنواع الجديدة من السرطانات التي لم تكن مألوفة من قبل.

بعد سنوات طويلة دفع فيها صديقي أموالاً طائلة على الخيار والطماطم والفلفل والخس الأوروبي، للحصول على طبق سلطة خال من الأخطار، تمنى لو أنه استثمر هذا المال في إنشاء مزرعة خاصة به، تعصمه من عبث «الرأسمال المستغل»، حسب تعبيره، لكنه سرعان ما استدرك متسائلاً: وماذا عن اللحوم المهرمنة، والقمح المعالج، والفواكه المسرطنة؟!

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر