من المجالس
صديقي زبون «سبينيس» اختار ما اعتقد أنه الوسيلة الأسهل والطريق الأقصر لإبعاد نفسه وأهله عن أخطار الإنتاج المحلي والعربي من الخضار والفواكه المشبعة بالأسمدة والمبيدات الكيماوية، وقرر أن يشتري الصحة والأمان ولو بأعلى الأثمان مما يفد من سفوح الألب ومروج هولندا الخضراء، ولكنه اكتشف متأخراً أن خيرات الطبيعة هناك لم تكن أبداً طبيعية وأن الكلام عن المعايير والمقادير لم يكن له معيار غير معايير السوق، فعاد ينشد السهل مرة أخرى على قاعدة «شو جابرنك على المر غير الأمر منه»!
أشخاص آخرون قرروا في ذلك الوقت أن ينجوا بأنفسهم وأهليهم فقط عندما خصصوا مساحات محدودة داخل مزارعهم لزراعة محاصيل خالية من المركبات الكيماوية، لاستعمالهم الشخصي، وتركوا سائر مساحات المزرعة تغرق في السموم الكيماوية، زاعمين أن الإنتاج يذهب إلى المحارق لا إلى بطون الناس، في الوقت الذي كانت الشاحنات القادمة من المزارع المدعومة تفرغ أطنان الخضار في مراكز التسويق الزراعي كل صباح.
صديق آخر اختار طريقاً مختلفاً، فعزم أمره منذ أن تعالت الاتهامات لأصحاب المزارع في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي باستخدام الكيماويات بكميات مضرة وخطيرة، وقرر تخصيص جزء من حديقة منزله لزراعة حاجة أسرته من مكونات السلطة، ونجحت التجربة حتى أصبح لديه فائض يتكرم به على الجيران والأصدقاء. بعدها انتشرت هذه العدوى الحميدة وأصبحت «خيار» العديد من المواطنين، ليكون طبق السلطة من إنتاجهم المنزلي، ولكن مرة تصيب ومرات تخيب، ربما بسبب قلة المعرفة وغياب وسائل التثقيف الزراعي.
ويبقى السواد الأعظم من المستهلكين الذين لا مزارع لديهم يأكلون من خيرها، ولا فضل أرض يزرعون فيها حاجتهم. هؤلاء لا اختيار أمامهم سوى تسليم أمرهم إلى ما تفيض به الأسواق ثقة في تأكيدات الجهات الرقابية، وأملاً في أن يصبح إنتاجنا المحلي من الغذاء الأكثر سلامة، فهل تصدق ظنونهم؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .