مهجرون جدد
بعدما عبر ملايين من السوريين جسر الهجرة إلى بلدان العالم، خصوصا أميركا اللاتينية، حتى وصل ابن مدينة يبرود كارلوس منعم إلى سدة رئاسة الأرجنتين، ها هم اليوم يدخلون كتاب التهجير، إثر انتفاضة الاحتجاج التي تجتاح البلاد، منطلقة من مدينة درعا. وصار للمهجرين الجدد من الشعب السوري «رقم» يتزايد يومياً، وتتناقل أخبارهم وكالات الأنباء والصحف وقنوات التلفزيون. وحسب الأنباء المتداولة بلغ عدد المهجرين السوريين، خصوصاً من مواطني مدينة جسر الشغور ،5000 في حين تدفق إلى الحدود مع تركيا نحو 10 آلاف. ويبدو أن تلك الحدود تحولت إلى منطقة عازلة، كما أن تركيا التي رفضت إغلاق بوابتها أمام الأهالي الفارين من الجحيم الداخلي، تتوقع الأسوأ في الأيام المقبلة، إذ إنها تستعد ببناء مزيد من المخيمات للمهجرين الجدد.
كنا في سنوات ماضية نتحدث عن تراجيديا المخيم الفلسطيني داخل فلسطين نفسها وخارجها، وارتبط اسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بذاكرة الفلسطينيين المهجرين قسراً من وطنهم إلى جحيم الشتات بكل تنويعاته، لأن بيت الإنسان هو فردوسه الأول، وليس بيت الشتات، خصوصاً أن الخروج إلى الجغرافيا البعيدة لم يكن طوعياً وبرغبة أو إرادة ذاتية.
بدأ الشعب الفلسطيني المهجر مسيرة الخروج القسري من الوطن، تحت وابل الجحيم والوعود، الجحيم الذي كانت تصبه العصابات الصهيونية، والوعود التي أطلقها العرب آنذاك، بأن الخروج مؤقت والعودة ستكون قريبة ودائمة، وها هم الفلسطينيون ينتظرون بعدما صارت لهم جغرافيا الشتات بيتاً «مؤقتاً»، وبقيت مفاتيح بيوتهم في رقاب الجدات وفي خزائن المخيمات، ولاتزال تلك المفاتيح المعدنية الكبيرة تنتظر الأبواب، ولاتزال أيضاً رمزاً لحلم العودة.
مشاهد الخيم في الأراضي الواطئة، غالباً، كانت تتوسع لإيواء مزيد من الفلسطينيين، وشاحنات الـ«أونروا» كانت مألوفة وهي تجوب المناطق بأكياس طحين وملابس مستعملة، والشعار الأزرق للوكالة التابعة للأمم المتحدة كان رفيقاً للأطفال في مدارس الوكالة، فهو مطبوع على دفاترهم وكتبهم، وأصبح علامة على الفلسطيني المهجر أو «اللاجئ»، كما يذكر في أروقة الامم المتحدة.
ومن فردوس البيت الأول إلى الخيمة، ثم منزل الصفيح (الزينكو)، ثم منزل الطين، فالطوب، انتقل الفلسطيني في بلاد الشتات، كاتباً سيرة تراجيدية تتفاوت درجاتها من منطقة إلى أخرى.
وبعد تلك الذاكرة المكتظة بصور التهجير الفلسطيني، ها هو باب التهجير واللجوء والخروج ينفتح مجدداً، ويدخل ليبيون تاريخ التهجير، كما يدخله سوريون، وتتزايد الأعداد وتتزايد الآلام عبر الحدود. عدد السوريين المهجرين مرشح للتزايد يوماً بعد يوم، وعلى الأرض التركية المحاذية لسورية تنتشر الخيم وتتوسع المنطقة العازلة، ويعيش المهجرون أو «اللاجئون»، كما تصفهم وسائل الإعلام، مرارة الخروج الاضطراري من الوطن تحت وابل الرصاص الحي الذي يميت ولا يحيي، والدم الذي يسيل في الأرض، والعتمة التي تتكثف في السماء، والرعب الذي يجتاح الشوارع، والموت الذي «يتعربش» على الشجر.
المهجرون في مخيمات الآن، بينما بيوتهم التي هي على مرمى حجر، أصبحت في الجانب الآخر، ولسان مأساتهم يقول: متى نعود، فالمفاتيح في جيوبنا تنتظر أبواب بيوتنا، وهل سننتظر كثيراً حتى يتكاثر الحنين، وتتكاثر الدموع أيضاً؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .