5 دقائق

(لكل راكب مركوب!)

عبدالله الشويخ

كدت أقفز فرحاً عندما عثرت على هذه العبارة في «الكتاب الأخضر»، الذي ألفه ملهمي العقيد القذافي قبل 30 عاماً، فالعبارة تفسر الكثير من الهرج الذي لا نفهمه، ومن الزاوية العبقرية التي ينظر منها العقيد إلى الأمور، فعلاً.. لكل راكب مركوب!

من أجمل وأصدق من كتب عن القذافي هو وزير العمل السعودي السابق، الشاعر والأديب والمؤرخ غازي القصيبي، رحمه الله، وتأتي صدقية هذه الشهادة التي نشرها القصيبي في كتابه «الوزير المرافق»، أن الكتاب كُتب ونشر وطبع حتى قبل أن يفكر محمد البوعزيزي في شراء «غالون الغاز» إياه، الذي مازال مشتعلاً حتى اليوم، لذا لا يمكن وضع تلك الشهادة ضمن سياق شهادات «الشجاعة المفاجأة»، التي أصبحنا نقرأ العشرات منها أخيراً، أما جماليتها فهي في نظر الكاتب إلى زوايا أخرى بعيدة عن صلب السياسة، في محاولة لفهم طريقة تفكير هذا الرجل، فمثلاً يذكر القصيبي أنه كان موجوداً عند قيام الملك خالد بن عبدالعزيز، رابع ملوك السعودية، رحمه الله، بزيارة إلى الجماهيرية الليبية في السبعينات، وعند وصوله بعد أن جرى استقبال شعبي لوفد المملكة، اعتذر القذافي للملك خالد عن حرارة الاستقبال، مؤكداً أنه لا يعرف شيئاً عن الموضوع، وأنه بيد اللجان الشعبية في بنغازي، فسأله الملك خالد: يا فخامة الرئيس، هل الحكومة الآن في بنغازي؟ رد القذافي: الحكومة؟ ليس لدينا حكومة، لقد ألغينا الحكومة، والحكم الآن للجماهير عن طريق المؤتمرات واللجان، فعاد الملك خالد ليسأله: والوزراء، هل هم هنا؟ فرد العقيد: الوزراء؟ ليس لدينا وزراء. لقد ألغينا الوزارات. لا توجد الآن سوى أمانات منبثقة من المؤتمرات الشعبية.

الملك خالد: وأنت، أين تكون هذه الأيام. أنت و«خوياك»؟ العقيد: في بنغازي. فقال الملك خالد: إذاً، فالحكومة في بنغازي! لماذا لم تقل لي ذلك من البداية.

لم يكن للقذافي ولا لغيره أن يحكم بلداً ولا فريجاً لـ40 عاماً ما لم يكن يمتلك مقومات أو جزءاً من مقومات الشخصية القيادية، إلا أنها وبالتقادم بدأت تضمحل في شخصية العقيد، من يسمع أو ينظر إلى صور القذافي القديمة، وصوره مع الزعيم جمال عبدالناصر، وخطبه في يوم ثورة الفاتح، يرَ شخصية معقولة ومقبولة.. والسؤال هو: ما الذي «خبّله» فجأة، وجعله و«دنجور الرهيب» وجهين لعملة واحدة؟

***

الجملة الوحيدة الصحيحة في أزمة ليبيا، التي فعلاً يجب أن تكتب بماء الذهب، وتدرس للأجيال المقبلة وما يليها، هي تلك التي قالها «القذافي جونيور» سيف الإسلام في لقائه مع محطة «سي إن إن» الأميركية، وهي أن: الغرب يتبعك مثل الكلب، حتى إذا انتهت مصلحته معك، أو وجد باباً لمصلحة أفضل تركك، كأنه لا يعرفك، وهذه هي الحقيقة الثابتة والوحيدة في ردود أفعال الحكومات الغربية التي يسمونها بالطبع: سياسة!

shwaikh@eim.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر