أبواب
مكافحة النجومية
دول عدة في العالم تركز جهودها لدعم الموهوبين في مجالات الإبداع الأدبي والرياضي والفني، حتى أصبحت هناك مؤسسات مختصة بما يُسمى «صناعة النجوم» في الغناء والفن التشكيلي والسينما والشعر والرواية والقصة والرياضة وكذلك في الإعلام، وتخصص دول ميزانيات لهذه المهمة، كون النجم ينقل صورة مشرقة عن شعبه وبلده، وكون الموهوب استثناء يستحق الدعم والرعاية.
ولكن الغريب في الأمر ما كشفته الثورة الليبية، عبر تقرير تلفزيوني للإعلامي حسن الشوبكي بثته قناة «الجزيرة» قبل يومين، عن «وحدة خاصة لمكافحة النجومية»، أنشأها نظام العقيد معمر القذافي، لها أدواتها وميزانيتها وأساليبها، لتنفيذ مهمتها الوحيدة المتمثلة في طمس أي نجم «متوقع» صعوده في سماء ليبيا، في مجالات الإبداع الثقافي والرياضي، حتى يبقى العقيد هو النجم الوحيد في ليبيا، فهو، أي العقيد، لا يحتمل أي نجم غيره في الجغرافيا الليبية كلها، حتى إنه أقحم نفسه في مجالات لا علاقة له بها، فأحياناً يظهر بوصفه «فيلسوفاً» صاحب نظرية جديدة، في «الكتاب الأخضر»، وأحياناً روائياً وقاصاً في كتابات أخرى من بينها «القرية القرية، الأرض الأرض، وانتحار رائد الفضاء»، كما ظهر أخيراً بوصفه لاعب شطرنج «يقارع» أبطالاً عالميين في اللعبة.
هل يعقل أن يفرد شخص نفسه على مساحة وطن كامل، لاغياً وجود أي نجم أو أي مواطن ليبي يتطلع إلى النجومية أو يحلم بها، إذ لا نجم سوى العقيد، فهو الوحيد الذي يليق بالنجومية أن تتشرف بشخصه، ولا يحق لأي ليبي أن يتطاول على مقامه «النجومي»، فهو الوحيد الذي يضيء سماء الوطن.
يبدو أن نظام العقيد هو نظام للغرائب، فمن كان يتوقع أن تكون هناك وحدة استخباراتية خاصة بمكافحة النجومية؟ ومن كان يظن أن جهازاً متخصصاً في هذه المهمة يعمل منذ سنوات طويلة على طمس أي نجم يحاول البزوغ في عتمة العقيد؟ وكم من الأموال والجهود التي بذلها نظام العقيد لتنفيذ هذه المهمة الرسمية؟ وكم هو عدد ضحايا هذه الوحدة الغريبة من نوعها؟
يبدو أن العقيد القذافي صدق نفسه بأوصاف خلعها على شخصه، من «عميد القادة العرب» إلى «قائد الثورة» إلى «ملك ملوك إفريقيا» إلى «المفكر والفيلسوف والمنظر والكاتب وبطل الشطرنج، وربما مصمم أزياء ومخترع سيارات ومركبات فضائية أيضاً».
هل يعقل أن تكرس دولة جهودها وأموالها لمحو نجومية لاعب كرة قدم، أو روائي أو شاعر أو مطرب أو فنان تشكيلي؟ إلى هذا الحد أصبح العقيد لا يرى إلا نفسه «رجل المهمات الصعبة والخوارق والإبداعات»، ويحرم الموهوبين من الشهرة التي هي حق لهم، إلى هذا الحد، يمكن له أن يمنع ذكر أسماء اللاعبين أثناء التعليق على المباريات، ويسمح فقط بذكر أرقامهم، حتى لا يعلق اسم في ذاكرة الجمهور، وبالتالي تتهدد «سدة النجومية»، التي لا يتربع عليها سوى عقيد واحد أوحد في كل ليبيا الشاسعة؟ وإلى هذا الحد تصبح النجومية مرادفة للمخدرات أو الجريمة، ويقوم نظام القذافي بإنشاء وحدة لمكافحتها، لكنه يتعامى عن مكافحة الفساد والجريمة والمخدرات.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .