مزاد الثورات

مع انطلاقة ثورات الحراك الشبابي العربي منذ مطلع هذا العام، بدأت تسمية هذه الثورات بـ«الربيع العربي» تزداد تجذراً في «الميديا» العربية والغربية والعالمية عموماً، وأخذت الثورات العربية المتتالية ابتداءً من تونس ومروراً بقاهرة المعز، وعواصم اليمن السعيد، وليبيا، وسورية، تبدو كامرأة فاتنة تعمل على إغواء المطابخ السياسية العالمية ودوائر الاستخبارات العالمية للاستفادة، وبأقصى السبل، من قطاف هذه الثورات، إذ بدأت برسم السيناريوهات المتوقعة للأشكال التي ستميز ما تفرزه هذه الثورات من قيادات وأنظمة، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة الهرولة الثورية التي ميزت بعض الأحزاب السياسية العربية التي نخرها السوس الشعاري الثوري كيف استردت قواها، وبدأت بالاستعداد للمزاحمة في الحصول على القطاف!

ويمكن القول إنه على ضفاف هذا الهدير الشبابي الثوري العربي قد بدأت في هذا الإطار بعض المصطلحات التي أنضجت على نار هادئة ومنذ سنين تنضج وتتبلور حتى تبدو تتشكل وتتبلور في مساحة لا يمكن الاستهانة بها. وعلى ضوء ما أحدثته هذه الثورات صار مصطلح «الفوضى الخلاقة» يمكن التعامل معه باعتباره صار مرئياً، كما أن مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» وخارطة تقسيماته المقترحة بتقويض دول واستنبات دويلات جديدة بفعل هذه الثورات صار من المصطلحات الممكنّة.

المأساة الحقيقية التي وقع فيها الثائر العربي الجديد هي وقوعه الأعزل بصدره العاري بين خيارين لا ثالث لهما، أولهما القبول التأبيدي بأن يظل الدكتاتور العربي على مقعده الرئاسي، تاركاً اثره التناسلي يتولى التوريث الرئاسي، على اعتبار أن الوطن مزرعة، والثاني أن يذهب إلى المرابي الشيلوخي الدولي المتمثل بالقوى الأطلسية والـ«ناتو» لإجبار الرئيس على التنحي والرحيل، وبعد ذلك يتم التوقيع على الفواتير ذات الأرقام الفلكية، تلك الفواتير التي تعيد تثقيف فكرة الاستعمار بهيلمان الديمقراطية ودولة المؤسسات وتبادل السلطات.

ولعل التجربة التي أفرزتها الخدمة الأطلسية المدججة بأعتى الأسلحة لاحتلال العراق والإطاحة بصدام حسين، وتلك الفواتير المتتالية التي يدفعها الشعب العراقي منذ عام 2003 وحتى وقتنا الحالي، هي أكبر دليل على أن الثورات يمكن أن تخضع هي الأخرى لمزاج المزادات المربحة دولياً.

بقي أن نقول إن معاودة الثورة التونسية الاعتصامات من جديد، ومعاودة الثورة المصرية الاعتصامات الميدانية من جديد، واستبسال قوات الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في قصف صنعاء وتعز، رغم الجمهورالثوري الهادر الذي يتدفق كل صباح إلى كل شوارع اليمن، وقصفه بالطائرات، وتكاثر المبادرات التي تسعى إلى حل اشكال الثورة الليبية سياسياً، كل هذا يجعلنا نضع اليد على القلب خوفاً ورعباً من وقوعنا في مزاد الثورات العالمي.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة