من مسائل شعبان
كثر التساؤل هذه الأيام عن صيام النصف الثاني من شعبان: أيجوز أم لا؟
وقبل الإجابة عن ذلك أحب أن أبين أن صيام النافلة من أفضل الطاعات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوماً في سبيل الله، بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا»، والمراد بسبيل الله عموم النافلة، لحديث: «من صام يوماً ابتغاء وجه الله، خُتم له به دخل الجنة»، وحديث: «من صام يوماً في سبيل الله متطوعاً في غير رمضان، بُعد من النار مائة عام بسير المضمر الجواد»، فهو مفسر لعموم سبيل الله، فإذا كان ذلك في شعبان كان الصيام فيه أعظم أجراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام فيه ما لا يكثر في غيره،أ لقول عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: «وما كان يصوم شهراً أكثر مما كان يصوم في شعبان»، وفي رواية قالت: «ولم أره صائماً من شهر قط، أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا»،
فاستدل أهل العلم بذلك على أن أفضل النوافل ما كان منها قبل الفرائض وبعدها، أما قبلها فليتهيأ لدخول الفريضة برغبة صادقة، بدليل أنه بادر إلى نفلها قبل فرضها، وأما بعدها فرغبة في الاستمرار فيها، وكأنه لو طلب منه المزيد لفعل.
إلا أنه يعِكّر على هذا الاستدلال ما روي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، صححه الترمذي وغيره وضعفه آخرون.
وبه استدل بعض أهل العلم كالسادة الشافعية وبعض الحنابلة على حرمة ابتداء صيام النافلة غير ذات السبب بعد النصف الثاني من شعبان، وعلة ذلك: كي لا يفتر عن صيام فرض رمضان، ولئلا يقع في صيام يوم الشك المنهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه»، بل ورد من حديث عمار رضي الله تعالى عنه موقوفاً، وله حكم الرفع: «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم»، ومحل النهي عندهم ما لم يكن الصيام قضاءً، أو نذراً، أو كانت له عادة كالإثنين والخميس، أو كان الصيام متصلاً بما قبله، وإلا لم يحرم.
والجمهور من أهل العلم لم يروا بأساً بذلك؛ لما تقدم من إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام فيه، ولحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يَصلُ شعبان برمضان».
فالمسألة إذاً خلافية لتوارد الأدلة على كلا القولين، وعليه فإن من وجد من نفسه رغبة ليصوم فلينتهزها ويحمد الله على توفيقه ويسأله القبول، ومن رأى الامتناع عملاً بالنهي فهو مأجور على قصده السنة، أما من كان عليه قضاءُ أيام من رمضان فينبغي له المبادرة، فقد أصبح القضاء عليه مضيّقاً، وقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها، تقول: «كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان».
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي .
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .