كيف نستقبل رمضان؟

سيُهِل علينا شهر رمضان المبارك قريباً إن شاء الله تعالى، كأعز ضيف ينتظره أهلوه بفارغ الصبر، فهو حديث الساعة لدى الناس صغاراً وكباراً؛ لما لهم فيه من آمال كبار، في رحمة العزيز الغفار، وما فيه من سياحة إيمانية آناء الليل وأطراف النهار، ففيه السلوة للنفس، والراحة للبدن، والمُتعة في التواصل.. فما من أحد إلا وله همة ونية فيه.

وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أَظل هذا الشهر يُشحذ الهمم لاستقباله بنية طيبة، واستعداد نفسي لتلقي الفيوضات الإلهية فيه، فيقول: «أظَلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله، ما مر بالمؤمنين شهر خير لهم منه، ولا بالمنافقين شهر شر لهم منه، إن الله عز وجل ليكتب أجره ونوافله من قبل أن يُدخله، ويكتب إصره وشقاءه من قبل أن يُدخله، وذلك أن المؤمن يُعِد فيه القوة للعبادة من النفقة، ويُعِد المنافق اتباع غفلة الناس، واتباع عوراتهم، فهو غُنمٌ للمؤمن ونقمة للفاجر، أو قال: يغتَم به الفاجر»، كما أخرجه ابن خزيمة وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

وهو صلى الله عليه وسلم بذلك يضع لنا الأساس الإيماني لاستقبال هذا الشهر الكريم بالنية الصالحة حتى ينال المؤمن أجره قبل أن يُدخله، فإن لم يوفق فيه فعلا لمرض مُفند، أو موت مجهز، فإنه يكون قد أدرك أجره؛ لما ورد أن «نية المؤمن خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيته، وكل يعمل على نيته» كما ورد، ولأن النية دون العمل قد تكون طاعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة»، والعمل دون النية لا يكون طاعة. وقال الأستاذ أبوسهل الصعلوكي:أ «إن النية في مُخلَص الأعمال، لمقابلة الرياء والعجب»، فكيف نستقبله نحن في هذه الأزمان؟

لا يخفى أن الإجابة عن هذا السؤال قد تختلف باختلاف المشارب والتوجهات.

فقد يجيب أحد بقوله: سأستقبله بنية صالحة للصيام والقيام وابتغاء رضوان الرحمن بمزيد الصدقات وتلاوة القرآن. ويجيب ثانٍ بأنه فرصة لزيادة الدخل في الكسب لكثرة الجود فيه، وزيادة الحاجيات فيه.

بينما الجميع يجيب بأنه قد استعد له بتوفير كثير من المأكولات والمشروبات مما لذ طعمه وغلى ثمنه. وكل الإجابات صحيحة بحسب الواقع، لا بحسب ما ينبغي أن يقع، فإن هذا الشهر لا ينبغي أن يُستعد له إلا بما يليق بمقامه من كونه موسماً من مواسم الخير التي لا تُدرك إلا فيه؛ من ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ففرصة هذا الشهر العظيم لا تُعوض «فمن أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعدَه الله..» كما ورد، فهو كفارة العام كله «من صامه وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، فلا يليق بعاقل أن يجعل همته فيه أقل مما تبذل لمثلها المُهج، من رضوان الله والدار الآخرة، أما الخصال الأخرى فإنها تأتي بغير نية، فهي من لوازم الحياة التي تنساق بغير تخطيط ولا تفكير، والحريص على نفسه لا يترك فرصة الفوز برضوان الله السانحة، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي .

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة