«بتييك الدلة!»
قبل أعوام عدة كنت أعمل في وظيفة حكومية بإحدى الدوائر في إمارة الشارقة، وكان لدي العديد من الموظفين من المنطقة الشرقية، إذ تتبع مدن عدة فيها إمارة الشارقة، كان هؤلاء الموظفون كثيراً ما يأتون إلى مكتبي في الـ10 أو الـ11 من يوم الخميس يطلبون الخروج مبكرين، لكي يستغلوا فائض الوقت في الذهاب إلى المنطقة الشرقية وتجاوز الازدحام.. بالطبع، وبما أنني مخلص وأقدر قدسية وقت العمل وأهمية أن نفصل بين حيواتنا الخاصة وأوقاتنا التي لا نملكها، لكن يملكها المراجع كنت أرفض طلبهم بشدة، وأدعي أنني مشغول بهموم إنهاء معاملات المواطنين الموجودة أمامي.
ولأن الله حق، دارت الأيام، ووجدت نفسي أغادر إلى المنطقة الغربية الجميلة، وأدخل على مسؤولي في يوم الخميس في نحو الـ10 أو الـ،11 لكي أطلب منه الخروج مبكرا، لاستغلال فائض الوقت والذهاب إلى (الشمالية) وتجاوز الازدحام.. كنت أتوقع بالطبع ـ لأنه كما تدين تدان، ولأن الدنيا دوارة إلى آخر المثل، ولأن سيدي المسؤول مخلص ويقدر قدسية وقت العمل وأهمية أن نفصل بين حيواتنا الخاصة وأوقاتنا التي لا نملكها، لكن يملكها المراجع ـ أن يرفض طلبي بشدة وينشغل بهموم إنهاء معاملات المواطنين الموجودة أمامه، إلا أن ردة فعله كانت غريبة، فقد نظر إليّ بهدوء وهو يبتسم ويقول: «بتييك الدلة»!
ولمن لا يعرف هذه الدلة العريقة، فهي الدلة التي لم يرها أو يعرفها أو تصل إلى أحد، وبالطبع مازلت ضمن المنتظرين لوصولها، ولا أعلم حقيقة أصل هذه العبارة «ستأتيك الدلة» اللطيفة، ولا كيف استحدثت، وهل هي من تراث الغربية أم الشرقية، إلا أن شيئاً من هذا لم يهمني، فانتظاري لتلك الدلة، خصوصاً في شهر رمضان المتوقع القارس البرودة في الغربية يعني أمراً واحداً فقط، وهو أن عليّ تجهيز العدة لمشاهدة طويلة للتلفزيون في «الشهر الحرام»! فالعودة في ازدحام رمضان مستحيلة، وعليّ التكيف من الآن لقضاء نهايات الأسبوع في إحدى العزب، مستمتعاً بالرغاء (صوت الجمل)، والثغاء (صوت الماعز)، والطنطنة (صوت التلفزيون)، أو جميع الأصوات المبهمة، انظر لسان العرب!
بدأت بالطبع في متابعة الجرائد والمجلات والإعلانات لكي أتابع الوجبات الدسمة، والجديد مما سيعرض في الشهر الفضيل، ففوجئت بطريقة التسويق «للعبادات» التي تنتظرنا، قناة تؤكد أنها «ستتجاوز كل الخطوط الحمراء»، وبالطبع هي تقصد خطي الصرة والركبة، لأنها ليست قناة سياسية، وقناة أخرى تحلف بأنها ستكون «الأجرأ في رمضان»، كأنها لم تكن الأجرأ في فبراير، فما مقاييس الجرأة التي حتماً «ستفطر الصائمين»؟ وقناة أخرى تعد بـ«ليالٍ لا تنسى»، ولا أعتقد أن هذه القناة الفنية تقصد أنها ستحضر العفاسي للقيام!
كما يقول أهلنا في الغربية، أقول للقنوات: «يعلني افارج ويوهكم»!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه