القصة في ملتقى عمان

حين تبدي دهشتك أمام ما تسمعه، فثمة من يجيبك على الفور: هذا هو الموجود. وهي إجابة ليست صحيحة على الإطلاق، إلا إذا أردنا أن نسوّق الرديء بوصفه مثالاً لواقع القصة العربية، ولأسباب ليست فنية أبداً.

أنا أعرف أن بعض القصاصين رفض المشاركة، لكن هذا لا يعني أن الأردن خلا من القصاصين، كما أن الساحة العربية تعج بكتّاب القصة، وليس بهؤلاء المبتدئين الذين اكتشفوا أنفسهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت.

لقد استمعت إلى ما يقارب 10 قراءات قصصية، وفوجئت بغياب مطلق لمفهوم القصة، إذ هنالك من قرأ خواطر وجدانية، وهنالك من قرأ قصائد نثر رديئة، وهنالك من قرأ رثاء لأب أو أم أو حبيب، من دون أي تمييز بين القصة وغيرها، لا في البنية ولا في اللغة، ولا في الأفكار أو الهواجس. أنا أدرك أن الكتابة فعل متطور، لكن ما تسمعه تحت ذريعة التطور، لا يشكل إلا تغطية لعجز حقيقي ومؤسف عن فهم القصة، فالتطور يحدث داخل الجنس الأدبي نفسه، يتطور «التكنيك» القصصي ويتغير، لكن أموراً أخرى في القصة تبقى حاضرة بالضرورة.

هذا هو الملتقى الثالث الذي تنظمه أمانة عمان للقصة القصيرة، وإذا كان من شيء يسجل للملتقى، فهو اهتمامه بفن القصة، التي تكاد تغيب في الوقت الراهن، لمصلحة الرواية، وقصيدة النثر بمقدار أقل، لكن اللافت هو أن الملتقى الذي بدأ قوياً في دورته الأولى، كان أقل من ذلك في الدورة الثانية، ثم وصل إلى حدّ الفجاجة في دورته الثالثة التي نحن بصدد الحديث عنها.

كانت الأسماء الجديدة أكثر بكثير مما يحتمل ملتقى عربي كبير، والمشكلة ليست في الأسماء ذاتها، من حيث جهل الآخرين بها وبإنتاجها، لكن المشكلة الحقيقية تتمثل في كثير من الضحالة الفنية التي تقاسمتها هذه الأسماء. فليس عيباً أن تأتي باسم جديد، بل هو أمر محبذ ومطلوب، طالما كان يمثل موهبة قصصية حقيقية، أما أن تأتي بأسماء لا شأن لها بالقصة إلا من حيث الرغبة، فهذا أمر غريب في مثل هذا الملتقى.

لكن ما يشفع لهذا الملتقى الثالث، هو اهتمامه بتكريم قصاصين أردنيين وعرب، فقد سبق وكرّم القاص جمال أبوحمدان، والقاص عدي مدانات، واختار في هذه الدورة القاص محمود الريماوي. وقد أشار البيان الختامي إلى مجموعة أخرى من الأسماء القصصية الأردنية والعربية التي ستحظى بتكريم لائق.

والتكريم الذي نتحدث عنه، لا يتوقف عند كلمة إنشائية، أو درع تذكارية، وإنما يمتد ليشمل قراءات نقدية عربية لإنتاج القاصّ موضع التكريم، وفي ذلك توسيع لدائرة انتشار القاص الأردني والعربي، وربما لاحقاً ستكون هنالك ترجمة لأعمال المكرمين إلى بعض اللغات العالمية الأخرى، طالما كانت هنالك إمكانية لذلك، وهي متوافرة حسب علمي.

أما النقطة الأخرى المهمة، فهي استذكار بعض القصاصين العرب المتميزين، ممن تركوا أثراً لا يمحى في مسيرة القصة العربية، كالراحل غسان كنفاني، من خلال ندوة متخصصة، إضافة إلى ورشات فنية أخرى، كمسرحة القصة، وفن كتابتها.

وكما أشرنا من قبل، فإن أسوأ ما في الملتقى هو القراءات القصصية، التي هبطت بمستوى الملتقى درجات عدة، وهو ما ينبغي لإدارة الملتقى أن تتنبه إليه في المرات المقبلة.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة