5 دقائق

(حياة حشرة)!

عبدالله الشويخ

تبدأ الحكاية بفتاة عادية، مثل أي فتاة أخرى في مجتمعنا، تستيقظ صباحاً لتذهب إلى مدرستها وتعود بعد الظهر، وتقضي سويعات النهار بين كتبها ومتابعة بعض المسلسلات السخيفة، وقسط ضروري من النميمة اليومية مع الصديقات، وككل فتاة في ريعان الصبا تطرب الفتاة لسماع عبارات تتميز بها عن غيرها من الفتيات، تتمحور في مجملها على أنها «جميلة» و«مختلفة»!

ولأنها «جميلة»، ولأننا مجتمع جميل ويقدر الجمال ويضعه في المرتبة الأولى قبل اي شيء آخر، فلا تبلغ الـ20 من العمر إلا وقد أقنعتها إحدى زميلاتها بأن تتصور بجوار علبة ألبان وفوقها إحدى العبارات الإعلانية السخيفة، على غرار «القشطة للقشطة» أو«مع جبنتنا سيلاحظون جمالك»، وبمجرد طباعة الإعلان وتوزيعه مجاناً مع الجرائد اليومية ترتفع أسهم الفتاة، وتجد نفسها في بقعة من الضوء لم تعتد عليها، ما يشجعها على رفع مستوى الفستان، وضغط مستوى الخصر، وربما رفع «الشيلة» قليلاً، من باب «قليل من الخمر لا يسكر»!

بعدها بأسابيع عدة تتلقى اتصالاً من المدعو «إيلي» أو«أنطوان» أو«جوزيف» ليخبرها بأنه حصل على رقمها من شركة الأجبان إياها، ويطلب منها رأيها في أن تشارك المطرب الشهير في إحدى لقطات الـ«فيديو كليب» الذي ينوي تصويره، ولما كانت لا تحلم بالحصول على توقيع المطرب الشهير فإنها توافق مباشرة، لتخرج بعد فترة في لقطات عدة والمطرب ينظر إليها بهيام وهي تتدلل عليه، وقد استبدلت الفستان هذه المرة بالجينز، ولم يعد هناك ما يغطي الخصر، أما الشيلة فقد ضاعت في الزحمة.

تتسارع الأحداث بشكل تراجيدي، ففجأة تجد عشرات العروض لتمثيل دور الفتاة المعشوقة في المسلسلات الرمضانية، وعروضاً عدة لتقديم برامج فنية وخفيفة، وفي البداية تكون بعض المشاهد البسيطة، ثم تتطور إلى مشهد العناق مع البطل الذي يبكي المشاهدين، ولا ينقضي العام قبل أن تدخل «التاريخ» من أوسع أبوابه بمسلسل ببطولتها المفردة، مع إشاعات عدة تمس شرفها، وقصص عن علاقاتها مع فلان وفلان، إلا أنها تعلنها بصراحة على صفحات المجلات بأن هذه هي ضريبة الشهرة.

تدمن الشهرة والأضواء، ولا تحس بمجرى الزمن، وتبدأ الذئاب البشرية بالانحسار عنها مع فقدانها بريق الشباب، فتبدأ بالتنازل عن أي شيء وكل شيء للحفاظ على الأضواء، فتارة تتزوج من ثري خليجي، وتارة تقترن برجل أعمال، حتى تصحو مفزوعة ووحيدة ذات يوم وقد قرع الزمن جرسه، فتجلس لتكتب شهادتها إما توبة أو انتحاراً.

هل نحن بريئون من دمها، أم أننا جزء من مخطط تحطيمها؟ بكلمات أخرى هل كانت الحشرة ستكبر لولا وجود محيط «الشرنقة»؟

shwaikh@eim.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر