5 دقائق
(اخرج منها يا ملعون!)
تابعتُ كما تابع الملايين في الشهر الفضيل، العديد من القنوات المحلية والإقليمية التي كانت تبث إما برامج دينية أو برامج تفسير أحلام وغيرها، حيث يؤكد مقدم البرنامج فجأة ورود اتصال مهم، تكون المتصلة كتكوتة بريئة وتشرح «لفضيلته» أنها تحس بأعراض غريبة، وبأنها لا تستطيع قراءة القرآن، ويبدأ مولانا الخبير بطرح عدد من الأسئلة الغريبة عليها يكتشف عبرها أنها «ملبوسة»، وفجأة ينقلب صوت المتصل إلى صوت غريب وهو يقول: ما بطلع منها يعني ما بطلع! لا تحاول، فيهتف مقدم البرنامج باسم الرواية الأخيرة التي ينسبها بعض نقاد الأدب للرئيس العراقي السابق صدام حسين قائلاً: «اخرج منها يا ملعون»!
على الرغم من يقين الكثيرين تلك الأمور التي أصبحت موضة تتكرر وبالتفاصيل نفسها في أكثر من برنامج، هي امور مفبركة الهدف منها هو الانتشار وتحقيق نسبة مشاهدة، إلا أنني سأكذب، ويعرف من يعرفني أنني أكذب إذا ادعيت أنني تمكنت من النوم خلال الأيام الخمسة التي تلت مشاهدتي لتلك البرامج، أصبح مزاجي صعباً، أحس بأن «احدهم» هنا في الغرفة عندما أكون وحيداً، أفسر كل «قرصة سمسومة» بأنها محاولة من «أحدهم» لاختراقي، أدعو صبية المنزل للنوم بجواري، الأنوار دائماً مضاءة بحجة أنني نمت وأنا أقرأ! وصدقني هذه الأخيرة لن يشك فيها أحد!
إذا كان هذا ما يحدث لنا، فتخيلوا ما الذي سيحدث للفتيات في مقتبل العمر إن شاهدن هذه البرامج، ثم ما القول الفصل أصلاً في لبس الجن للإنس؟ هناك دراسة جيدة ومختصرة للدكتور في جامعة العين محمود مجيد سعود الكبيسي، تنفي امكانية حدوث هذا الأمر وتفسره من ناحية المتواتر الشرعي، والشيخ شيرزاد عبدالرحمن يؤكد أنها لا تتجاوز حالات نفسية للذين يعتقدون انهم ملبوسون، بكلمات أخرى هل الـ«جن» «فاضيين» الى هذه الدرجة حيث لم يعد لديهم سوى لبس الإنس كما نلبس الجوردانو والبولو؟! أعرف شيخاً كلما جاءه شخص يدعي أنه ملبوس قام بعمل حركة بذيئة له تجعله ينتفض، فيسأله غامزاً: ها؟ وين راح إبليسك؟
لدى المؤمنين باللبس دائماً كل الحجج والبراهين ولديهم تفسير أيضاً لكل ظاهرة، فإذا قام الملبوس بعمل غريب قالوا لك: انه معذور فـ«مصباح الأقرع» هو الذي يحركه، واذا غاب عن دوامه: قالوا دعوه فإنه ملبوس، وإذا صدر صوت خشن من فتاة رقيقة وجدوا دائماً تفسيراً مناسباً.. حتى إن بعضهم يذهب إلى أنها ملبوسة بجنية «بوية»!
قابلت صديقاً حصل على ترقية كان يلح عليها سابقاً دون جدوى، وعندما سألته عن سر حصوله عليها، أجابني بكل بساطة: نعشت عليهم في الدوام.. وزاغوا!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه