أبواب

شُح المخيلة الإبداعية العربية

خليل قنديل

تعاني المخيلة الإبداعية العربية أحياناً من الشح، الى درجة الوقوف على قارعة التاريخ بانتظار أي حادثة تاريخية مفصلية للتنطع في إعادة صياغتها ضمن كتابة ابداعية سواء كانت شعرية أم روائية وربما قصصية. والمخيال الإبداعي عند بعض الكتاب العرب لا ينتظر قليلاً حتى يرى المدى أو الحفرة أو المتغير الفعلي الذي سوف تتركه هذه الحادثة في التاريخ، كي يكون المشهد الكتابي أكثر عمقاً ونضجاً.

انه إذن المخيال الذي يرتهن لأيديولوجية «الفزعة»، هذه التي صارت تحرك قوانا الاجتماعية والفكرية في كل المجالات، وهي التي تسري في عروقنا عند وقوع الحادثة في ما يشبه التيار الكهربائي الصاعق الذي يجعل أرواحنا ترتجف دهشة.

وفي الذهاب الى الأمثلة نحاول الآن أن نستذكر الطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرّة الذي ما ان استقرت الرصاصة في جسده، وحضنه والده في وسط الشارع المُحتل، حتى تحوّل الى أسطورة إعلامية تناقلتها كل وكالات الأنباء والفضائيات العربية والعالمية، ومازلنا نذكر ان تلك الصورة النادرة كيف كانت أشد بلاغة من أي كتابة إبداعية، حيث احتلت الصورة المدى الحبري الذي من الممكن أن تكتب به. لكنه الاستنفار الشعري العربي الذي يعاني من شُح المخيال كما أسلفنا، فصار معظم الشعراء العرب يدبجون القصائد تلو القصائد في «شعرنة» هذه الحادثة. وفي قطاف هذه الحادثة الكتابية نستطيع الآن أن نجهر بالقول ان ما من قصيدة عن محمد الدرّة استطاعت ان تُخلد في تاريخنا الشعري، لا لشيء سوى ان الصورة كانت أبلغ من أي قصيدة.

وفي السياق ذاته؛ نستذكر هذه الأيام المسلسل السوري الذي يتعرض لحياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، الذي يحمل عنوان «في حضرة الغياب»، هذا المسلسل الذي دخل في عش الدبابير السيكولوجية الخاصة بشاعر مثل درويش، حيث قبر الشاعر الذي مازال أخضر ولم يأخذ مداه الحضاري في الغياب بعد، وحيث الكيمياء المعقدّة التي خلقت شاعراً في قامة درويش، وتلك الرفعة التي كانت تميز شخصية درويش وتجعله عصياً على الفهم حتى من قبل أعز الأصدقاء.

لكنه رأس المال الذاهب دائماً نحو الربح في سياق المارثون الدرامي في رمضان تحديداً هو الذي «طبخ» شخصية درويش بهذه العجالة، على الرغم من كل الاعتراضات من قبل أصدقاء درويش ومحبيه.

وأيديولوجية «الفزعة» القائمة على شح المخيال هي التي بدأت تتأهب حالياً للكتابة الإبداعية عن ثورة الربيع العربي ضمن مسرحيات وأغان، وربما روايات، دون أي انتظار لما سيسفر عنه ربيع الثورات العربية.

والحال فإن الكتابة التي تُخلد في التاريخ هي التي «تمجهر» الحادثة التاريخية في الوقت التي يغفل عنها التاريخ تماماً!

 

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر