كل يوم
مرة أخرى، لماذا سنغافورة؟!
يقول الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان: « لا تكتفي سنغافورة بالتفوق على جاراتها الآسيويات فحسب، بل تشعر بأن عليها أن تتفوق على أي مكان، حتى علينا نحن في الولايات المتحدة، والرسالة التي تبعث بها هذه الدولة إلينا هي أنها لا تسابقنا باتجاه الهبوط إلى سفح الجبل، بل باتجاه القمة ».
فريدمان في مقالته هذه كان يتحدث عن تطور التعليم في سنغافورة، ولا شيء آخر سواه، فهو يرى أن النظام التعليمي في هذه الدولة واحد من أفضل النظم على مستوى العالم، ويستدل على ذلك بعرض تجربة قامت بها مدرسة « اكسيمين »، إذ تقول مديرتها: « إن أكثر شيء تهتم به سنغافورة، هو تنمية مواهب وقدرات طلابها، فهي تدفع الطلاب والمعلمين دفعاً باتجاه الإبداع والابتكار »، وأضافت: « إن مدرستها شرعت في تخفيف قيود التشدد المدرسي، إذ يسمح للطلاب والمعلمين بتنمية أفكارهم وابتكاراتهم الخاصة، وفي هذا الصدد، فإن المدرسة تتجه الآن من مجرد تنفيذ مضمون المنهج المدرسي، إلى ابتكار المنهج نفسه، طالما أنه ليس بالضرورة أن يكون المعلم هو المصدر الوحيد للمعرفة داخل الفصل، وأنها يمكن ان تنبع من بين صفوف الطلاب والتلاميذ أنفسهم داخل الفصل ».
يتفاخر المسؤولون في سنغافورة بنجاحهم في خلق نظام تعليمي فائق التطور، ولهم الحق في ذلك، وهم يرددون في مناسبات عدة « من يذهب إلى أوروبا فسيرى الماضي، ومن يذهب إلى الجامعات الأميركية فسيرى الحاضر، أما من أراد أن يرى المستقبل فعليه الذهاب إلى سنغافورة وآسيا».
لكن ما السر الذي اكتشفته سنغافورة، وجعلها تحقق قفزات حقيقية لافتة في تطوير التعليم؟ أمر بسيط جداً، لا يمكن اعتباره سراً أبداً، فجميعنا يعرفه عز المعرفة، لكن العلم بالشيء مع تجاهل تطبيقه لن يقود أحداً إلى القمة أبداً، والعكس دائماً هو الصحيح، فما دفع النظام التعليمي لديهم هو اكتشافهم أن المعلم هو أهم شخص في العملية التعليمية!
في معظم دول العالم، ونحن لسنا استثناء، يكون التعليم مهنة من الدرجة الثانية أو الثالثة، لكن في سنغافورة التعليم مهنة من الدرجة الأولى، فرواتب المعلمين ومديري المدارس كبيرة جداً، وتزيد على معظم المهن الأخرى، وأصبح المعلمون من الربع الأول في الدولة، واستثمرت الدولة في التعليم أكثر من أي شيء آخر، لذلك حصلت على نتيجة عالمية سريعة، جعلت نظامها التعليمي يتفوق على الأميركيين بشهادة توماس فريدمان!
لم يعيدوا اكتشاف العجلة، وليست المسألة معقدة، ولاهي مفاعل نووي يصعب التعامل معه، المسألة لا تعدو كونها إعادة ترتيب أولويات، ووضع الأهم قبل المهم، فهل نستطيع فعل ذلك لإصلاح العملية التعليمية، أم سنستمر في إعادة اكتشاف العجلة!
الغريب في الأمر أن سنغافورة ليست قارة مجهولة بالنسبة إلينا، بل ذهب إليها كثير من المسؤولين، واقتبسوا منها كثيراً من القوانين في مختلف المجالات بدءاً من العقارات، حتى ملاعب الغولف، لكن لم ينظر هؤلاء أبداً إلى أهم تجربتين في سنغافورة، هما التفوق في النظامين الصحي والتعليمي!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .