كل يوم
كلمة التاريخ..
« لم يكن مجرد طاغية، بل كان نموذجاً للشر وجنون العظمة والقسوة المجسمة في هيئة رجل أضنى الجنون عقله، لدرجة أوصلته إلى القيام بأفعال لا يعقلها بشر، أو يتصورها عقل، فسرها علماء النفس بأنها نتيجة اضطرابه النفسي والذهني ».
هذه الكلمات قيلت في وصف الإمبراطور الروماني « كاليجولا » الذي يعتبر واحداً من أشهر طغاة التاريخ البشري على الرغم من مرور آلاف السنين على وفاته، فوحشيته وجنونه وساديته لم يتفوق فيها عليه أحد سوى قريبه من ناحية الأم الإمبراطور « نيرون » الذي أحرق روما.
لكن قراءة متأنية أخرى للجُمل السابقة ذاتها، تجعلنا نستطيع إسقاطها بشكل مباشر على الطاغية الليبي معمر القذافي، الذي ينتظر العالم خلال هذه الساعات مشاهدة الفصل الأخير من مسرحيته الهزلية التي بدأت منذ عام 1969!
ملامح سلوك الطغاة متشابهة تماماً عبر كل العصور، وكذلك هي نهاياتهم، دائماً ما يقول التاريخ كلمته في حق هؤلاء بالحروف والمواقف المتشابهة ذاتها، فالتاريخ يعلمنا دائماً أن الطغاة هم نتاج الخوف والخضوع والنفوس المريضة، وهم دائماً ينتهون نهايات بشعة أو مذلة، وغالباً ما تكون نهايتهم على يد شعوبهم التي ذاقت أصناف العذاب منهم، وجاء دورهم ليشربوا من كأس الهوان والذل، والموت الشنيع!
كذلك كان « كاليجولا »، ومثله كان « نيرون »، وكذلك كان إيفان الرهيب قيصر روسيا، ولويس الرابع عشر في فرنسا، وأدولف هتلر وفرانكو، ومثلهم اليوم معمر القذافي الذي لن تختلف نهايته عن هؤلاء وغيرهم في كل الأحوال!
يعتقد نائب المندوب الليبي في الأمم المتحدة، إبراهيم الدباشي، أن « القذافي خانه ذكاؤه لأنه لم يخرج في الوقت المناسب من طرابلس، وبدأ يشعر الآن بأنه في قبضة الثوار »، لكن الحقيقة أن القذافي لم يخنه ذكاؤه أبداً، لأنه يعيش حالة إنكار للواقع عاشها كثيرون من الجبابرة والطغاة قبله، فهو بكل تأكيد يعتقد واهماً، بل يعيش في الوهم من رأسه إلى أخمص قدمه، بأنه مازال قادراً على الانتصار، وأن الشعب يقاتل معه، بل إن الشعب مازال يخرج في مسيرات حاملاً صوره وكتابه الأخضر، ومستعد للموت من أجل حماقاته وهذيانه.
إنه جنون العظمة، والمرض النفسي الشهير هو ذاته الذي يصيب هذه النوعية من العقول الديكتاتورية المهووسة بالعظمة والتفرد حتى في الحماقة والسذاجة، فهو إن لم يخرج من طرابلس، فليس ذلك لأن ذكاءه قد خانه، بل لأن للتاريخ كلمة يجب أن يقولها في هذا الطاغية، ويجب أن يشاهدها العالم جميعاً، كما يشاهد المشاهد نهاية الشخصية الشريرة في أي من أفلام هوليوود أو حتى بوليوود.
سيذهب القذافي إلى مصيره المحتوم، وسيلحقه إلى المصير ذاته كل ديكتاتور وطاغية، فلم يُخلق بعد من يستطيع هزيمة شعبه مهما تسلح بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والطائرات والمدافع، هكذا علمنا التاريخ، ففيه من الأمثلة والمشاهد المتكررة ما يجعل الغافل ينتبه والمجنون يعقل والجبار يعود إلى صوابه، أو يلقى المصير المحتوم ذاته، القتل أو السحل أو الشنق!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .