عدنا مع صغارنا
عدنا.. والعودة إلى التواصل مع الأحبة فرحة، واليوم أيضاً يوم العودة إلى المدارس، يعود الأولاد والبنات منتشرين بين الصفوف يتفحصون الوجوه، يبحثون في القوائم عن أصدقائهم وصديقاتهن، أكثرهم يتمنى تكرار الأسماء والوجوه التي ألفوها وتعودوا عليها، وبعضهم يعوّل على تغيير مكان لم يحبوه ووجوه لم يألفوها، وآخرون يساورهم القلق من صف جديد أو مدرسة جديدة فرض عليهم تغيير المرحلة الانتقال من مكان إلى آخر.
صور ومشاهد تكاد تتكرر في كل عام، ولكن نكهتها والشعور بها لم يخفتا بحكم التكرار. فهو يوم احتفالي بكل المقاييس، يملؤه الضجيج وتلونه خطوط الحركة في كل الاتجاهات. ضجيج اختلف بحكم تقلبات الزمن، وألوانه تنوعت حسب حركة العصر. فلم يكن الضجيج في الزمن الأول هدير سيارات الدفع الرباعي التي ستحمل الأولاد والبنات إلى مدارسهم وتنتشر عند أبواب المدارس بشكل عشوائي تحكمه قوانين «الدريولية»، ولا كانت الحركة تقتضي قطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى المدارس. فقد كان كل شيء «ملموماً»، وكانت المسافات قصيرة، والمدارس قريبة، والبيوت متراصة، والشوارع قليلة وبسيطة، وحركة المرور هادئة. لذلك كان المشهد يتلون كله بألوان الوجوه الطرية البريئة، والضجيج لا يصل إلا من أصوات الصغار المتشابكة. واليوم لا يكاد المشهد داخل المدارس يختلف كثيراً لأن البراءة لا تتلون حسب تلونات العصر، ولكن الاختلاف في الخارج لم يعد بائناً وحسب بل انقلابي، تجاسر كثيراً على بيئة المدرسة وتدخل أكثر في تشكيل الشعور بالاحتفال. اليوم صار السائق بديلاً للأب أو الأخ الأكبر أو ابن الجيران الذي كان يتولى مهمة عبور اليوم الأول إلى المدرسة بسلام. وصارت الخادمة بديلة عن الأم في المرافقة والإشراف حتى تعبر أقدام البنات باب سور المدرسة ولا ابعد من ذلك. فقد تبدل الزمان وتبدلت تضاريس المكان، ولكن بقيت المدرسة هي العنوان.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .