صدمتنا الحضارية
يبدو أن السؤال الحضاري والثقافي تجاه ما يحدث في واقعنا العربي على الصعد كافة صار منطقياً، فالسلاسة اللينة التي دخل بها العربي الألفية الثالثة من قرننا المضارع هذا، أخذت تكشف لنا ببطء جارح، عن استغفال عربي للراهن الحضاري العالمي. على اعتبار انه يمكن فيه أن تمر الأمور بسلاسة مثلما مرت عند قيام الدولة العربية الأولى لـ«محمد علي»، وقيام اعلانات الدول العربية المتتالية عن قيام الدول التي أعلنت من خلال الاذاعة التي احتلت بدبابتين وبنطق البيان الثوري الأول والاحتفالات الحمقاء بعيد الجلاء.
نعم لقد صار السؤال وأمام كل هذه المتغيرات التكنولوجية حولنا منطقياً، لا بل ملّحاً، فثقافة الصورة وثورتها وتفشي المعلومات حال حدوثها الفوري امام كل مجتمعات العالم، وتفشي الفضائيات ومبارياتها في التقاط الاستطالة الحمراء للخبر العاجل، هذا اضافة الى عن التنوع في البرامج التثقيفية وبرامج التسليات، كل هذه المعطيات التي حدثت بكل هذه القسوة المعرفية خلال العقدين الأخيرين وضعتنا في مساحة انقلابية.
صار السؤال يوجه لسيادة الرئيس بحكم تفشي الوعي السياسي عبر المنظمات الدولية عن السر الذي يكمن وراء تأبيد المقعد الرئاسي، وحمى التوريث في نظام جمهوري.
وصار السؤال يوجه لقادة الرأي العام عن سر هذا التخلف الاجتماعي في التعامل مع مشكلاتنا الحياتية وحماقاتنا الجمعية على مستوى الاعمار كافة وتنوعها بالرغم من المجتمعات العربية التي تعاني أرقاماً فلكية في الاقبال على التعليم، والتعدد المتورم في الجامعات والمعاهد.
وصار السؤال يوجه لهذا الكم الهائل من الجامعات التي لم تنتج بعد مفكراً واحداً يقدر على صياغة نظرية معرفية جديدة، ان تُسأل هذه الجامعات عن سر أسوارها الفولاذية التي لا تشرع ابوابها على المجتمع المحلي الذي يحيط بها والتعامل مع المساحة الجامعية بتعابير مقدسة مثل مصطلح «الحرم الجامعي».
وصار السؤال يطرح على المسؤولين الكبار عن سبب هذه القطيعة المعرفية بين الأدوات الحضارية التي نستعملها، صباح مساء، دون أن تعمل على تثوير قوانا الروحية، وتقودنا الى قيم أكثر انفتاحاً.
وصار السؤال يُطرح على النخبة العربية ذات «الدجل» المعرفي الخاص، باعتبارها هي صاحبة المفتاح المعرفي للجماهير العربية الغفيرة، وظلت تقترب من السياسي ومن السلطة عموماً كي تأخذ قطافها.
أسئلة كثيرة ومتعددة بدأت تطرح بسبب صدمتنا الحضارية التي نعيشها، وكالعادة تظل الأجوبة معلقة في فضاءاتنا العمياء بانتظار الكوارث التي ستجعلنا نسدد فواتيرها بالدم.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .