من المجالس
من المستشفى إلى البنك
قرر طبيب شاب أن يترك مهنة الطب وكل ما يمت إليها بصلة وينتقل الى قطاع البنوك! اتخذ هذا الطبيب قراره بعد أن فكر وقدّر وجمع وكسر، فوجد إن الطب «ما يوكل عيش» كما يقولون، وبعد أن وجد من يديرونه ويتقدمون عليه في كل المميزات الوظيفية هم من خريجي الكليات النظرية والإدارية.
بالطبع لست مع التفسير المادي البحت في تحديد مسار المستقبل، خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بمهن مثل الطب والتعليم، حيث تتجلى المُثُل في أسمى معانيها، لكن الواقع ليس كله مثاليات، والحياة لا تستقيم بميل ميزان المبادئ بحجة العطاء بغير حدود. وعندما نشتكي من عزوف طلابنا وطالباتنا عن الانخراط في الدراسات العلمية التطبيقية لمصلحة التخصصات النظرية، ونقول إن 20٪ منهم فقط يختارون القسم العلمي وتذهب الـ80٪ الأخرى إلى القسم الأدبي، فإن علينا ألا نتجاهل مثل تلك الحقائق ونصنفها على أنها حالات خاصة. فالمزاج العام الذي يوجه اختيارات الطلبة وأولياء أمورهم يتأثر بالواقع، والواقع لا يفرّق بين خريج الأربع سنوات ولو بالـ«بارت تايم»أ ومن قضى ضعف هذه السنوات في المعامل والمختبرات وأمهات المراجع العلمية، بل غالباً ما يكون التمييز بالمقلوب، فيجد الطبيب والصيدلي والكيميائي والمهندس نفسه محكوماً بمزاج إداري لا يفهم طبيعة تلك التخصصات، ولا يتفهم حاجة أصحابها. لذلك فإن النسبة تقل عن 20٪ في الواقع العملي، بعد أن يغير العديد من الخريجين توجهاتهم بعد التخرج، ويهجروا مهنهم وتخصصاتهم إلى وظائف ذات خلفيات نظرية وأدبية.
هذا الخلل بحاجة إلى بحث عميق في أسبابه، لا يتوقف على رمي الاتهام على الطالب وحده، بل يتعداه إلى البيئة التي صنعت هذه القناعات.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .