موضة التغيير
لا شك في أن الوزير أو رئيس الدائرة هو المسؤول الأول عن نجاح أو إخفاق مؤسسته، فإذا نجحت إدارة وإذا زادت إنتاجية موظف فإن الأنظار تتجه إلى الوزير أو الرئيس، وإذا كان العكس امتدت الأصابع نحو هذا وذاك. فإن صلح الرأس صلح الجسد، لذلك لا وجاهة لمن يحاول فصل الرأس عن الجسد عندما يتعلق الأمر بالإخفاق ويعيده إلى الوكلاء والمديرين والموظفين، فهؤلاء إما من اختيار المسؤول الأول، أو حصلوا على القبول منه، سواء كان قبولاً طوعياً أو تنازلاً على حساب مصلحة العمل ومستوى الأداء.
والملاحظة التي لا تحتاج إلى فراسة من نوع خاص لرصدها في العديد من المؤسسات الاتحادية والمحلية، أن هذه المؤسسات، تحت لافتة التغيير والتطوير، طبقت فكرة النسف، وجعلت من كل قديم محل اتهام بالركود والضعف وربما الفساد، وأحدثت انقلابات إدارية استبدلت فيها الوجوه ذات الخبرة الإدارية والميدانية المتراكمة بأخرى ذات عظام طرية وخبرات حديثة، بل سطحية أحياناً، بحجة تبديل الدماء وتقديم الوجوه الشابّة والتخلص من الحرس القديم. والمفارقة الغريبة العجيبة أن هذه التغييرات العشوائية وغير المدروسة طالت وجوهاً شابة بعد أن تعلمت وبدأت في وضع أرجلها على سلم القيادة وأحالت إلى التقاعد أو النقل الجائر قيادات لم تتجاوز العقد الرابع من عمرها، وأحلّت مكانهم آخرين وجدوا أنفسهم فجأة في موقع القيادة وداخل قاعات التفاوض وفي محل التخطيط لمشروعات ضخمة.
ربما استحضرت هذه التغييرات المتسرعة أسباب الحماس وأدواته، المتمثلة بالقيادات الشابة لكنها تجاهلت الحكمة بجور يدفعه جهل، واستبعدت ما تراكم من الخبرة داخل المؤسسة ولدى العديد من القيادات المتمرسة، وقررت العودة إلى حيث المربع الأول، وكأن الوزارة أو الدائرة تتأسس لأول مرة. فكان الصرف على بناء جديد والعمل من حيث القواعد والإنجاز متأخراً أو متعثراً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .