5 دقائق

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تعقد جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز للسنّة النبوية المطهرة في المدينة المنورة، حالياً، مؤتمراً عالمياً عن ظاهرة التكفير: أسبابه، آثاره، علاجه. برعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ويحضره حشد كبير من علماء العالم الإسلامي من مختلف الدول، ليناقش هذه الظاهرة التي أصبحت مقلقة للأمن العام، والسكينة الخاصة، والاقتصاد الوطني، ظاهرة ترتب عليها استحلال الدماء والأموال والأعراض، ظاهرة أرهبت الكبار قبل الصغار؛ لأن النتيجة التي يصل إليها المكفر لا تفرق بين الجميع، بل تهدف إلى أذية الكل بفعل ما يرهب الجُل.

يعقد هذا المؤتمر بعد أن استفحل خطر التكفير، وأصبح ظاهرة مقلقة، ولم يعد كما كان قبلُ حبيس النقاش العلمي والعصف الذهني، لم يعد يقف عند حد الترافع إلى القضاء ليبت القضاء في المتهم بالزندقة ثم يقوده إلى المشنقة، لم يعد التكفير حبيس الخلاف العقدي بين الفئات المختلفة، بل أصبح تكفيرا سياسيا، وتكفيرا مزاجيا أهوائيا.

لقد استفحل التكفير حقا منذ زمن غير قريب، يوم أن بدأ ادعاء الوصاية على الحق الفكري والعقَدي بثُلة من الناس لا يتعداهم، ولا يُصدق إن ادعاه سواهم، ثم تطور ليرتب عليه الأثر من استباحة الدماء والأموال، ولم تسلم الأعراض من السب والتجديع والغيبة والنميمة، فكم من أنفس أزهقت وتزهق في أماكن متفرقة من العالم بفعل هذا الفكر الذي تبين أخيراً أنه ضال مضل، وأنه لا يوالي إلا من كان على شاكلته ممن يؤمن بمبادئه الهدامة.

ينعقد المؤتمر العلمي الراقي بأعضائه ومكان انعقاده ومعديه، والكل يردد القول الحق في المسألة، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، بل هو الإسلام قولا وفعلا، فلا خلاف ممن حضر أو لم يحضر من علماء الإسلام أن التكفير أمره خطير، وأنه لا يكون ببادئ الرأي، ولا من رويبضات الزمان، ممن لا يعرف من العلم إلا القشور، ولا يهتدي إلى قراءة ما بين السطور، لا يكون ممن ينطبق عليهم تحذير المصطفى، صلى الله عليه وسلم، منهم، في ما أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه « يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كمروق السهم من الرمية، يخرجون على حين فرقة من الناس »، نعم هذا وصف من يُكفر ويدعي باطله حقا، ووصف المُكفرين الآن من التفرق حتى سهل على أولئك اختراقهم وبث الفتنة فيهم.

إن هذا الوصف وغيره كثير في السنة لا يخفى على ذي عينين، لاسيما أهل العلم، الذين طالما حذروا ونبهوا فلم يكترث أحد، حتى قربت النار من أصحاب القرار فطلب من العلماء الأخيار أن يتحملوا مسؤولياتهم، ولكن بعد فوات الأوان، فكان حالهم كما قال دريد:

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى       فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

ومع ذلك فلأن يتدارك الخطر خير من أن يستفحل الشرر، إلا أن هذا المؤتمر قد لا يكفي ما لم يصحبه أمران أساسيان:

الأول: تغيير منهجية التعليم التكفيري: مناهج ومعلمين، فإن التكفير ما تعشعش إلا في الفصول الدراسية.

الثاني: حملة إعلامية مستمرة بوسائل مختلفة تحمي الناشئة من خطر الانزلاق إلى الفكر الضال المنحرف المكفر، وعندئذ قد يصلح العطار ما أفسده الدهر!

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي .

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر