يا جماعة الخير
وعود المرشحين
رحم الله أئمتنا العظام أبا حنيفة ومالكاً وغيرهما، طلبهم أولو الأمر لتولي القضاء وولاية الأمصار فاعتذروا وهربوا، خوفا من حمل الأمانة وهم أهل لها، حتى ادعى أحدهم الجنون وركب عصاة ولبس مرقعا وجرى بين الصبيان، فأحضره الخليفة ضاحكا، وقال: ياشيخنا أتكذب بادعائك الجنون؟ قال: والله صدقتَ وحكمتَ، فهل تُوَلي الأمانة كاذبا يا أمير المؤمنين؟
واليوم يتوجه نحو 130 ألف ناخب للتصويت لـ450 مرشحاً على مستوى الدولة، لاختيار20 مرشحاً لعضوية المجلس الوطني الاتحادي لأربع سنوات مقبلة.
إنها أمانة وإنها يوم القيامة فرحة أو ندامة، من طلبها لنفسه وُكل إليها وحُرم خيرها وحمل وزرها، ومن أعطاها نفسه أعين عليها ورفعه الله بها.
وغني عن التعريف أن إماراتنا الحبيبة تولي التميز درجة التميز، وتفتح للمبادرات كل المبادرات، فإن كانت أية مبادرة من عامة الناس تلقى اهتماما يصل إلى التبني، فكيف بالدور المنتظر من أبناء الوطن المرشحين الذين ملأت وعودهم سماء البلاد وأرضها، على مدى 18 يوما مضت.
وإن هي إلا أيام ثم تنظر الأم إلى وفاء أبنائها، ولن يرحم تاريخ إماراتنا الحبيبة من قصر في حقها ولم يقدرها حق قدرها بالبرِ والولاء والوفاء.
ليس مطلوبا صنع المعجزات، بل إن المطلوب صدق الأداء بما يحقق اغتنام المناخ السخي لمزيد من الرقي والعطاء.
مرة أخرى إن مقترحات العوام تُحترم في إماراتنا فكيف بأعضاء مجلس رشحهم أبناء الوطن؟ لا شك أن سعيهم لخير الوطن وأبنائه سيكون محل تقدير واحترام وتبنٍ من ولاة أمورنا، أعانهم الله وزادهم رحمة برعاياهم، فالعاقل من جعل رسالته ابتغاء مرضاة الله سبحانه وحبا للوطن لا لهوىً في النفس ولا للرياء ولا للسمعة، وجعل وعوده وصولاته في هذا السياق الذي تحترم العقول والقلوب صدقيته وواقعيته، وأن ينأى بوعوده وطلباته عن الأساليب التي تنبذها الفطرة، ويسخر منها تاريخ الكرة الأرضية.
فإن هتفنا: يعيش السمك في الماء ويسقط المطر شتاءً! ما أضفنا ولن نضيف جديدا إلا شعارات نظنها نحن فقط رنانة، بينما هي تسقطنا من أعين العقلاء، وقد فعلنا كالعصفور الذي سمعه سيدنا سليمان يمني عصفورته بقوله: مكنيني من نفسك لأمكنك من ملك سليمان، فلما ضحك نبي الله واستدعاه وواجهه، قال: وما عليك مني يانبي الله، وكل خاطب كاذب!
إماراتنا الحبيبة تزهو بأبنائها البررة، الذين تربوا في ربوعها ونهلوا من خيراتها وأقسموا على برها والولاء لها، فالله الله في طاعة ولي الأمر طاعة لله وجمعا لشمل الوطن ، الله الله في صدق الانتماء، الله الله في أمانة الكلمة، الله الله في إنكار الذات والسير على نهج الآباء، مع اليقظة لما يراد بالأمة من مخططات الفُرقة والفتن، وطرقها المعروفة من الوشاية والكذب والغيبة والنميمة بين الأفراد والجماعات والدول.
إن مكارم الأخلاق هي التي تقود الأفراد والجماعات إلى ما وعد الله به المحسنين أخلاقا، وإما فإلى ما توعد به المسيئين إن حادوا عن مكارم الأخلاق.
رب أدِمْ عز إماراتنا الحبيبة ورخاءها، واجمع شملها وجميع بلاد المسلمين، وأنت أكرم الأكرمين.
المستشار التربوي لبرنامج «وطني»
mustafa@watani.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .