أبواب

حريق في بيت أحمد راشد ثاني

علي العامري

احترق بيت الشاعر أحمد راشد ثاني قبل نحو أسبوعين، وبقي الرماد والصمت وبقايا كتب وذكريات ومذكرات ومسوّدات قصائد في المكان الحزين. بيت الشاعر في أبوظبي احترق، ولحسن الحظ لم يكن أحد في البيت لحظة اشتعاله. لكن في بيت الشاعر ثمة كنوز من الكتابة والمعرفة والقصائد التي لم تكتمل، واللوحات الفنية التي أهداها إليه أصدقاء تشكيليون.

في البيت كان أحمد يبحث عن البيت. كان صوته عبر الهاتف يتدحرج فيه الحزن مثل موجة، وكانت روحه مكتظة بغصة، بعدما أتت النار على كتب ومخطوطات يعتبرها اصدقاءً له، رافقته طوال مسيرته الابداعية، وكتب على هوامشها ملاحظاته، بما يشبه تدوين الروح. أحمد الذي لم يمتلك بيتاً خاصاً به، لم ترحمه تلك النيران، لتأتي على اوراقه وكتبه، وتعيث رماداً في بيت شاعر منذور للشعر والبحث والعمل الدؤوب والأسئلة والترحال من أجل تدوين جزء من تراث الإمارات الشفاهي، خصوصاً انه يؤكد دائماً أن «الجزيرة العربية تعوم على بحر من التراث الشفاهي»، وتلك الكنوز المعرفية والشعبية تحتاج الى جهود باحثين ومؤسسات كبيرة لتوثيق الروايات الشفاهية التي يحفظها كبار السن، وكانت تروى وتنتقل عبر الألسنة والذاكرة.

الشاعر أحمد راشد ثاني أحد أعلام الإمارات، وله نتاج شعري كبير، وكذلك ابحاث عديدة في التراث وتتبع شخصيات ثقافية مؤثرة في تاريخ الامارات.

هو ابن مدينة خورفكان التي تتمدد بين البحر والجبل، وفيها كانت طفولة الشاعر، وفيها كانت أبجديته الاولى. وكان والده الذي كان يعمل في البحر اهداه اسفاراً تراثية في صغره، سرعان ما اصبحت زاده اليومي، ليكتشف في ما بعد انه منذور للكتابة والكتب. يقول أحمد عن طفولته في خورفكان إنه كان يجمع ما يلقيه المدرسون من كتب ومجلات وصحف، قبيل اجازاتهم السنوية، لتصبح تلك المطبوعات عالمه الأثير، هناك في طفولته، وتحت «الشريشة» غالباً، «تعرفت إلى أفضل إدمان أصبت به على الإطلاق وتمرنت على أفضل موهبة، أفضل قدرة، أفضل ما تعلمته في الحياة: قراءة الكتب، التفكير مع القراءة، الحياة في القراءة، والموت أيضا». لذلك خسر الشاعر كثيراً امام تلك النار الهوجاء التي احالت جزءاً كبيراً من كنوزه الى رماد. في ذلك اليوم، احترقت «سبع قصائد من أحمد راشد ثاني الى امه»، وسال «دم الشمعة» على «حافة الغرف»، ولم يبقَ للشاعر الا «جلوس الصباح على البحر»، وبين يديه «حصاة الصبر»، وهو يدندن «يأتي الليل ويأخذني».

بعد اكثر من 30 عاماً من الابداع في الكتابة والقراءة، تهوي النار على بيت الشاعر، وتسكب الأسى في القلب وعتبة البيت، ويظل أحمد يعمّر بيت روحه بالقصائد، وفي حين أن «الفراشة ماء مجفف»، يرد الشاعر «ها يداي فارغتان»، وفي قصيدة «دمعة البيت»، يقول الشاعر أحمد راشد ثاني «المياه تشرب من جمجمة الجبل.. وفي معصمي يرنّ قيد الولادة». وعلى الرغم من «الغيوم في البيت»، إلا أن لدخان الحريق غيوماً خلفت ألماً وسناجاً ورماداً وحزناً في بيت الشاعر وفي قلبه أيضاً. يقول أحمد راشد في إحدى قصائده: «عندما عرفتْ بما جرى للحديقة، لم تخرج الموجة إلى الشاطئ، ولم يعد البحر يكلّم نفسه. الطيور وضعت المرايا في الأعشاش. وكان ثملاً الضوء وهو يمشي. كان في المدينة خلل في الإبرة. كان في المدينة خيط من دخان».

alialameri@gmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر