من المجالس
لتكن الدعوة شعبية
دخول الهاتف المتحرك في حياتنا أحدث الكثير من التغييرات في ثقافتنا ونمط حياتنا، ولكن دخول حقبة «بلاك بيري» قلبت الكثير من تلك الثقافات والأنماط رأساً على عقب. لن أبخس هذه التقنية حقها كنعمة أنعم الله بها على البشرية لتسهيل أمور الحياة، شأنها شأن كل إبداعات التقنية الحديثة، لكن كان لهذه النقلة أثمانها، وكان لهذه الأثمان نتائج أوخم في المجتمعات الاستهلاكية التي كثيراً ما تفتقد إلى مهارات الاستهلاك الصحيح، ناهيك عن مهارات الإنتاج.
وصل سحر «بلاك بيري» إلى العلاقات الأسرية، فجعل الصمت سيد المجالس وتبادل الظهور بين الأزواج لسان الحال. وتمدّد هذا السحر إلى الآداب العامة لنرى منظر البنات والشباب في «المولات»، وهم منهمكون في ثرثرات صامتة على «المس إن»، تتخللها ابتسامات وربما قهقهات أو تكشيرات، قد تتوقف مع اصطدام هذا وتلك بعمود أو شخص آخر. وزاد «هبل» الـ«بلاك بيري» إلى درجة تجعل مشاركاً في مؤتمر صحافي مذاع في عالم آخر مع «بلاك بيري». كل هذه آفات دخلت علينا، أو بمعنى أصح أدخلناها بجهلنا لمهارات الاستهلاك، لكن التجاوز لامس الخط الأحمر، عندما أصبحت الثرثرة بالمراسلة بواسطة «بلاك بيري» تصل إلى السيارات، لتكون شريكاً لعجلة القيادة، ومشاغباً لمتطلبات السلامة ومهيمنة على التركيز. هذا التحول في سلوك العديد من السائقين خصوصاً الشباب، من الجنسين، أضاف إلى السرعة والتهور تحدياً جديداً لمبدأ السلامة المرورية، وأضاف عبئاً جديداً على كاهل الدولة والأسرة، وزاد من أسباب الحوادث المرورية التي صارت تأكل من شبابنا وذخر مستقبلنا أعداداً تثير الحزن والقلق الشديدين.
ستصدر قرارات رسمية تعاقب وتردع، لكنها ستكون أقوى وأكثر تأثيراً إذا صدر رد الفعل من الناس، في إطار حملة شعبية تعيد صياغة الوعي العام، وليكن الـ«بلاك بيري» هو أول الوسائل المستخدمة في هذه الحملة ضد سوء استخدام الـ«بلاك بيري» وإخوانه.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .