«البلاك» بريد الهلاك

نعم، أصبح الانشغال أثناء قيادة السيارة بالـ«بلاك بيري» والـ«آي فون» ونحوهما من الهواتف المتحركة؛ أصبح ظاهرة مخيفة، لاسيما بين الشباب الذين غدوا مدمنين على «الماسنجر» و«الشات» والمواقع الإلكترونية غير المتناهية، تصفحاً للغث والسمين، وأخذاً وعطاءً، مع من يعرفون ومن لا يعرفون، وفضولاً في القول والنظر لما يحل ويحرم، بل أصبحت المواقع، لاسيما الخليعة، ترسل سمومها القاتلة للقيم والديانة عبر «البلوتوث» بمجرد فتح الشبكة العنكبوتية، تستغوي بذلك حدثاء الأسنان، وضعفاء الأحلام، ليقعوا في حبالها ثم يكونوا من الخاسرين.

أصبحت هذه الظاهرة مقلقة للأهل عموماً، والراكب مع هؤلاء الفتية خصوصاً، ولأهل الطريق من ماشٍ وواقفٍ وراكب وراجل، مع معرفة الجميع بأخطار الطريق وأهوالها السريعة المخيفة التي إن حلت لم ترحم ولم تفرق.

إن في الطريق لشغلا، وللحوار أدبا، وللدخول في المواقع قِيما، واللهُ لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

فشغل الطريق لا يصرف لغيره، فهو حق عام يتعين على من يسلكه أن يعطي الطريق حقها، كما أمر بذلك سيد الخلق، صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أعطوا الطريق حقها» ، قالوا: وما حق الطريق ؟ قال: «غَض البصر، وكف الأذى، ورد السلام ، وأمر بالمعروف، ونهي عن منكر»، وهؤلاء الشباب لم يعطوا الطريق شيئاً من هذا الحق، فلا يغضون أبصارهم عن تلك المواقع التي تطفح عليهم بشيء من نتنها، فمنهم من يستمرئ المتابعة ويسكر في لذتها، فيكون من الآثمين، وهم مع ذلك لا يكفون أذى الحديد والنار، الذي يهدم الذمار، ويخرب الديار، عن أنفسهم ولا عن غيرهم، ولا يأمر أحد نفسه، فضلاً عن غيره، بمعروف، ولا ينهاها عن المنكر.

ها هي مخاطر هذه الظاهرة تعتبر فاقرة بسبب هذه المخالفات الشرعية وترك الآداب الإسلامية، فتتخطف ريعان الشباب، فمنهم الذي يبادر ربه بنفسه، ويكون محل سخط مولاه سبحانه، ومنهم من تصيبه آفة مزمنة تجعله بعد ذلك رهين المحبَسين، يعض أصابع الندم ويقرع سن الطيش، ومنهم من يؤذي غيره بنفسه وماله فيكون من النادمين.

وها نحن اليوم نشيد بحملة التوعية من أخطار هذه الظاهرة التي لا تخفى على ذي عينين، إلا أن العقاب المالي وحده لا يكفي، فإن التفلت منه سهل يسير، وإنما الذي ينفع في ذلك هو الوعي الفكري بمخاطر الطريق الناجمة عن الإهمال في القيادة انشغالا عنها بما يمكن إدراكه يدرك بعد الفراغ، ومن القواعد الفقهية أن: الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود، وإذا كان الشارع قد نهى أن يشار على المسلم بحديدة كما روى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن ررسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال من أَشَارَ على أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ لَعَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ»، والحديدة قد لا تكون ذات ضرر كثير، فما الظن بسيارة يكون خطرها كبيراً، فالإحصاءات من أخطارها مرهبة، ولعل الوعيد فيها لا يكون أقل من الحديدة قياساً، والله يتولى الجميع بهداه.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

الأكثر مشاركة