من المجالس
المقاطعة.. بين ثقافتين
لننظر إلى نتائج الاستطلاع الذي نشرته «الإمارات اليوم»، أمس، حول موقف شرائح المجتمع الإماراتي من ارتفاع الأسعار لنتعرف إلى طبيعة الثقافة التي توجه سلوك كل شريحة من هذه الشرائح (مواطنون، عرب، أجانب). 61٪ من المواطنين يؤيدون مقاطعة السلع للضغط على التجار، ويزايد عليهم العرب بنسبة 63.7٪، بينما وافق 25.8٪ فقط من الأجانب على مبدأ المقاطعة.
هذه الإحصائية تظهر الفرق بين ثقافتين، ثقافة تربّت على العقلانية والتفكير قبل اتخاذ القرار وثقافة نشأت على مبدأ الحميّة والاستجابة العاطفية في تحديد المواقف. ثقافة الفهم والتقييم والتأني والإلمام بالأسباب، وثقافة «الفزعة» والرد السريع وإطلاق الأحكام دون تمييز. وسلوك فرض المقاطعة صار نمطاً يستعار كلما أراد الشارع العربي أن يفرض قانونه، وهذا لم يحدث من فراغ، ولا هو ملكية جينية خاصة بالإنسان العربي دون غيره، ولكن الفرق فيه بسبب الفرق بين إنسان خرّجته بيئات يحكمها الفكر المؤسسي القائم على مبدأ الحقوق والواجبات، وإنسان من تخريجات فكر شمولي تختلط فيه الأمور حتى لا يبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فتكون الذراع والصراع هما الفيصل في نيل الحقوق وأداء الواجبات.
ولأن العاطفة وقلة المعلومات هما سيدتا الموقف في سلوك العربي، فإن سياسة المقاطعات لم يثبت أي منها جدواها حتى الآن في المجتمعات العربية، لا لخطأ مطلق في مفهوم المقاطعة في حد ذاته، بل لخلل في الثقافة التي توجه السلوك العربي لاتخاذ هذا الموقف.. مفهوم يقوم على الغضب لا على المبدأ، ويستند إلى العصبية لا إلى الفهم والتحليل. ولذلك أعتقد أن غالبية الذين صوتوا لمصلحة مقاطعة التجار لوقف الغلاء لا يطبقون المبدأ بقدر ما يعبرون عن غضب يسكنهم، وإلا فما كانت محال خياطة «الكنادير» و«العبي» تنبت كالفطر على الرغم من بلوغ أسعارها ضرب .10
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .