التقسيمات السرية للتاريخ
في الوقت الذي تذهب الشعوب نحو صناعة مستقبلها الجيوسياسي وهي فرحة بالمُنجز تلو المُنجز، تكون هناك طبقات سميكة بينها وبين المطابخ السياسية المهيمنة، تلقي بظلالها على الرؤى الجمعية لهذه الشعوب وهي تقودها للإقامة في منطقة مطلسمة بالعماء العام.
ففي الوقت الذي كانت فيه شعوب دول الحلفاء والدولة الستالينية في روسيا تنفض عن جراحها الغبار الدموي والكارثي، الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، وهي فرحة بالانتصار الكامل على دولة هتلر الألمانية ومخلفاته الاحتلالية، كانت هناك بعض المطابخ السرية الأميركية والأوروبية والروسية التي تعمل على اقتسام الكعكة الدولية الهائلة التي خلفها انكسار الجيش النازي. وكان أن انتصرت هذه القوى وقامت بتقسيم الكعكة الهتلرية، فانقسمت المانيا ذاتها الى قسمين واحدة شرقية وأخرى غربية، وبزغ على السطح الجغرافي السياسي اوروبا الشرقية واوروبا الغربية، وتكونت منظومة الاتحاد السوفييتي التي انضوت تحت علم حلف وارسو، بينما انضمت اميركا اضافة الى اوروبا، الى حلف الناتو، أو الأطلسي.
وبينما كانت الشعوب العربية منذ مطلع عشرينات القرن الفارط، تفرخ الثورة تلو الثورة من أجل رفع راية الاستقلال وبناء الدولة العربية الحديثة، كانت المطابخ السياسية العالمية السرية قد بدأت بالتحضير للقاء «سايكس بيكو» الذي سيقوم لاحقاً باقتسام الجغرافيا السياسية العربية في دول عربية مقترحة، ويقترح أعلاماً ورايات، وتم بعد ذلك تشطير الدول العربية التي كانت كيانات جغرافية متصالحة طبوغرافياً، الى دول صغيرة، دخلت لاحقاً وهم الاستقلال القُطري.
حدث هذا بسبب معاهدة سايكس بيكو التي مازلنا حتى ايامنا هذه نقطف ثمارها العلقمية، لكن الثمرة الفظيعة في طعم علقمها التاريخي، هي نشوء دولة الكيان الإسرائيلي، التي استفادت من تضارب المصالح بين اطراف تلك المطابخ السرية لتولد كارثة انسانية حقيقية هي كارثة عام 48 التي شردت الشعب الفلسطيني بعد ان اقتلعته حضارياً من أرضه التاريخية لتعلن عن قيام دولة اسرائيل.
والآن، والشعوب العربية تسعى لديمومة (الربيع العربي) بالثورات المتلاحقة التي قررت التخلص من طغاة العالم العربي، الذين عسكروا دولهم بديكتاتورية نادرة، أكلت تاريخياً الأخضر واليابس بحجة الزعامة والتسيد والحرية والاشتراكية.
الآن ووسط هذا الربيع، يحق للعربي أن يضع يده على قلبه خوفاً ورعباً من تلك المطابخ السياسية السرية، التي تستعد لاستحداث خرائط جديدة للمنطقة الشرق أوسطية، ويكون العرب أول الضحايا في الاقتسام الدولي لكعكتهم التي ظلت تطهى على نار هادئة منذ عقود طويلة!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .