أبواب
أنيس منصور وداعاً
يمكن اعتبار بعض الأجيال الإبداعية العربية، هي من الأجيال المحظوظة كونها ولدت وعاشت في مفاصل تاريخية انقلابية بامتياز، انقلابية على مستوى تغيير الأنظمة السياسية، ومواكبتها لأكثر من نظام، هذا إضافة إلى معايشتها للمتغيرات الحضارية التي قلبت العديد من المفاهيم الاجتماعية والسياسية في وطننا العربي، وأن هذه الأجيال كانت بالفعل بمستوى هذه التحولات السياسية والاجتماعية، فاستطاعت أن تفيد وتستفيد، وأن تصبح أسماء رموزها علامة فارقة في الوعي الجماهيري العام.
ويمكن اعتبار الأديب والمفكر أنيس منصور الذي التحق بالرفيق الأعلى قبل ايام، في زحمة ثورات الربيع العربي، من هذه الأجيال العربية التي امتد عمرها الى ما يقترب من قرن كامل، وأنه كان يمتلك ذكاءً كتابياً استطاع أن يتوجه كصحافي، وفي وقت مبكر، أن يقبض على المشهد الإنساني ومفارقاته ويكتبه بأسلوب صحافي مبسط وقريب من الذهنية الجماهيرية العامة.
وكان يمكن للكاتب الراحل أنيس منصور الذي قرأ الفلسفة في وقت مبكر، أن يجلس في برجه الفلسفي العاجي في وقت كانت الفلسفة حالة دراسية تعطي لدارسها حق التقوقع في برجها العاجي، لكن الراحل منصور استطاع، وبذكاء، أن ينزع عن الفلسفة التي درسها سماكاتها الفكرية، وأن يعمل في الصحافة المصرية، وأن يُسخر وعيه الفلسفي لوضعية التبسيط التي تقود القارئ إلى مقالاته وكتبه ومُجمل افكاره الى حالة سهلة الاستيعاب.
ويمكن القول إن الراحل منصور استطاع في رحلته المهنية مع الصحافة أن يعيد لأدب الرحلات المشوق، ذاك البهاء الذي افتقده الأدب العربي منذ أمد بعيد، فاستطاع من خلال جولاته ورحلاته المهنية أن يكتب كتباً تعتبر علامة في أدب الرحلات، وألف في هذا المجال كتباً عدة منها «بلاد الله لخلق الله: غريب في بلاد غريبة»، و«اليمن ذلك المجهول»، و«أنت في اليابان وبلاد أخرى»، و«أطيب تحياتي من موسكو» و«أعجب الرحلات في التاريخ»، اضافة إلى كتابه ذائع الصيت والأكثر انتشاراً باللغة العربية «حول العالم في 200 يوم».
وذهبت أفكار انيس منصور إلى حالة استبطانية لقيام الحضارات الإنسانية على الأرض، فأنتج كتابه «الذين هبطوا من السماء»، الذي أكد من خلاله أن بعض الكائنات الكوكبية حضرت إلى الأرض، وساعدت على قيام بعض الحضارات مثل الحضارة الفرعونية على سبيل المثال.
ومن يتابع مقالات أنيس منصور وزواياه اليومية في الصحف المصرية والعربية، يدرك أن هذا الكاتب يحمل مخزوناً معرفياً استطاع أن يقدمه لقارئه العادي والبسيط في لغة بسيطة ومؤثرة.
مبدعنا الراحل أنيس منصور: لا نستطيع، ونحن في زحمة تغيراتنا العربية المتلاحقة، إلا أن نقول لك وداعاً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .