أبواب

الوحدة القسرية

خليل قنديل

الهتافات التي عاشتها الأنظمة والشعوب العربية طوال قرن تقريباً، وهي تطالب بتحقيق الوحدة العربية باتت تحدث هذه الأيام من دون مؤتمرات ومن دون لقاءات حثيثة بين القادة والزعماء العرب، ومن دون زيارات عاجلة ومباغتة لإعلان الوحدة الفورية التي غالباً ما كانت تصاب بالفشل الذريع.

إن الوحدة العربية التي كثيراً ما دفعت الشعوب العربية بهدف تحقيقها العديد من الشهداء والمقاتلين والتنظيمات الحزبية والسرية، تلك الوحدة التي صارت شعاراً مُصمتاً لبعض الأنظمة العربية ينطبع فوق الرايات المرفرفة على قاعات المؤتمرات واللقاءات الخاصة بالحزب الواحد المهيمن، ومساحة لغو واختلاف في موقعها الحبري بين الحرية والاشتراكية.

هذه الوحدة صارت تحقق نفسها بعفوية من دون الرجوع الى أبجديات ساطع الحصري وفقهيات ميشيل عفلق القومية، وبقية الجوقة التنظيرية العربية التي اعتقلت الشعوب العربية لسنوات طويلة في شعار الوحدة.

فالوحدة التي نبتت من ثقافة الصورة وتوحيد الفضائيات بلغة عربية واحدة استطاعت منذ مطلع التسعينات أن تجعل العربي يتخلى عن شفاهيته التجريدية في التعامل مع مفهوم الوحدة، ويرى وحدته أمامه بأم العين الفضائية المتلفزة كي يشهد الجغرافيا العربية بالصورة المنطوقة، جعلت العربي يستجيب للوحدة مع اشقائه العرب بطريقة تكاد تكون عفوية وربما قسرية.

فالثورة التي أشعلها البوعزيزي في تونس وهو يحرق جسده اعتراضاً على مصادرة عربته الخاصة ببيع الخضار تحولت إلى مشهد تلفزيوني استطاع أن يوحد الشعب التونسي في القيام بثورة استطاعت أن تسقط الديكتاتور بن علي. والمشهد الذي تألق في الفضاء العربي متلفزاً استطاع بجاذبيته الخاصة أن يُمغنط القوى الشبابية الثائرة في مصر، كي تحدث ثورة الحراك الشعبي في ميدان التحرير تلك الثورة التي أسقطت حكم مبارك.

إنها الوحدة العربية الثائرة التي ساعدت على انهاضها الصورة المتلفزة، تلك الوحدة التي امتدت إلى القذافي واقتلعته من جذوره، ومن ثم توجهت الى اليمن الذي اتهم زوراً بـ «اليمن السعيد»، كي ينتفض ضد القبلية والزعامة الديكتاتورية، وهي الوحدة العربية الثائرة الناهضة في سورية ضد نظام بشار الأسد.

إن تفشي الخبر الثائر عربياً في الفضايات العربية وإمكانية أن يشاهد العربي وطنه العربي المحكوم بالبلطجة والشبيحة والطغاة، قد جعل الوحدة العربية تتحقق بين الشعوب من دون مؤتمر للقادة العرب ومن دون حماقات يطلقها بعض الزعماء العرب بتحقيق الوحدة التي ظلت حبراً على ورق.

بقي أن نقول شكراً لثقافة الصورة التي حققت مثل هذه الوحدة بطريقة قسرية وعفوية، تشبه عفوية أخذ الشهيق وإطلاق الزفير.

 

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر