أبواب
فن الفُرجة
كتاب « أحاديث حول الإخراج السينمائي » هو نتاج محاضرات عدة سبق ان ألقاها المخرج والمنظّر ميخائيل روم، على طلبة السنة الأولى في معهد السينما في موسكو، وصدر في طبعته الروسية وفي طبعاته المترجمة العديدة الأخرى، منذ عام ،1975 ليصبح مرجعاً لكثير من النقاد والطلاب ومحبي السينما في مختلف أنحاء العالم. وفي العربية صدرت طبعته الأولى من ترجمة الناقد عدنان مدانات في بيروت في عام ،1981 وصدرت طبعته الثانية المنقحة عن دار « مجدلاوي » للنشر في عمان في عام .2007
يجد روم أن تاريخ تطور السينما هو إلى حد كبير تاريخ نشاطات المخرجين أنفسهم، وان كل جديد نجده في السينما يرتبط بأسمائهم، وأن مهنة الإخراج مهنة عسيرة، ترتبط بعدد كبير من المعارف والتجارب المتنوعة، وينبه: إذا ما كنا نفكر بأن نصبح مخرجين، فعلينا أن نستعد للعمل الشاق.
من أين جاءت تسمية « سينماتوغرافيا » ـ الصور المتحركة؟ جاءت من الكلمة اليونانية « فوتوغرافيا » وتعني « كتابة النور »، ولأن الحركة أصبحت أساساً للفن الجديد السابع. ويرى روم السينما وسيلة للفرجة وليست للإصغاء، وتكمن عظمتها بالذات في كونها مرئية، ومن البداية سار تطورها في خط تقوية جانبها البصري المرئي، وبدأ المخرجون يستعملون اللقطة الكبيرة، وحدة صغرى، وأن يعملوا عليها دائماً، وحينما اكتشفوا المونتاج، فإنهم جعلوا الفرجة أكثر مجازية.
يتأسس المونتاج في السرد على ربط لقطات منفردة، تعكس جزءاً من العالم وتعبر عنه، لتنشئ في وعي المتفرج مخططاً عاماً للحدث وتجعله يبني بنفسه المكان المُتخيل. لذا كان على السينمائي أن يُمرن بصره باستمرار ويتعلم « وضع العالم » داخل نظام اللقطات الذي هو في جوهره نظام مونتاجي، جمع عناصر منفردة ومبعثرة في كل متماسك، وقد اقترح إيزنشتين بدل مصطلح الميزانسين المسرحي، الذي هو طريق أسلوب حركة الممثل، مصطلح الميزان كادر، الذي هو طريق أسلوب نظام لقطات حركة الكاميرا السينمائية، ويُسمى اليوم « ميزان ـ صورة ».
وتكمن قانونية المونتاج في اختلاف اللقطات وتباين أحجامها واتجاهاتها ومحتواها وحركتها وترتبط ارتباطاً وثيقاً مع فكرة الحركة التي تنشأ عن جمع لقطتين: حركة موجودة في اللقطة نفسها، وحركة ناتجة عن جمع اللقطات. وينتج من جمع لقطات عدة بناء المشهد، كوحدة مكوّنة لسياق الفيلم الفني. ويعبر كل مشهد عن دراما صغيرة، تشكل في مجموعها بنية الفيلم الدرامية الكلية، لذلك يُفهم المشهد بعلاقته مع المشاهد السابقة ـ إلى ماذا يستند ـ وبعلاقته مع المشاهد اللاحقة ـ ماذا يُحضّر.
هل يوجد كتاب يمكّن الإنسان من تعلم الإخراج؟ يبدو انه، حسب إيزنشتين، من غير الممكن تعليم الإخراج ولكن تعلّمه ممكن! في البداية جاء معظم مخرجي العالم إلى السينما، حينما بدأ إنتاج أفلامها ينتشر في العالم، ففي روسيا جاء ايزنشتين نفسه إلى السينما من المسرح وبودوفكين من التمثيل ودوفشنكو من الرسم وروم نفسه من النحت.
يسير الوقت مسرعاً ويتغير الناس ويتغير المشهد السينمائي، لكن ثمة حالات يحوز فيها مخرج فيلم ما نجاحاً كبيراً، ويحصل على جوائز من مهرجانات دولية عديدة، فيبدأ عندئذ بتهيئة نفسه للخلود ويتصرف على أساس من ذلك، حينئذ، يصبح أكثر غباءً ويفقد روح المرح والموهبة معاً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .