أبواب

أسطرة الموت

يوسف ضمرة

لا يتعامل الإنسان مع الموت تعامله مع شيء آخر في حياته، لذلك غالبا ما يرتبط الموت حتى يومنا هذا بإشارات أو علامات أسطورية أو شبه أسطورية. أي أنه يرتبط بما هو سري وغامض ومجهول وعصي على التفسير.

كان ذلك في الماضي مبرراً، أعني أيام الفراعنة والإغريق وغيرهما من الأقوام. كما أنه لايزال قائما حتى اليوم في حضارات شرقية، أو بين أقوام وثنية، ذلك أن الموت لم يكن في الطفولة البشرية مجرد وضع حد لنهاية الإنسان، وإنما هو بدء رحلة جديدة مجهولة ومخيفة في آن، جرت صياغة بعض تفاصيلها على مدى قرون أو عقود على الأقل، فكتاب الموتى المصري ينطوي على تفاصيل الرحلة الغريبة، منذ لحظة الاختفاء، مرورا بالحساب والميزان وما شابه ذلك.

هذه التفاصيل، سواء في الحضارة الفرعونية أو سواها، كان الإنسان هو الذي اخترعها، ولم تأته مفصلة بوحي من إله.

هكذا خلع الإنسان على الموت عند الأقوام القديمة ثوب القداسة، وهو الثوب الذي لم يهترئ تماما حتى اليوم، فقد جاء الإسلام وأكد أن الموت انتقال من دار إلى دار، من حياة إلى حياة، وأكد الحساب والسؤال والجواب، وذهب إلى ما هو أبعد في ذكر تفاصيل الحياة الأبدية، بصرف النظر عن كونها في الجنة أو النار.

هذا الأمر هو الذي يجعل الإنسان لا يتعامل مع الموت تعامله مع أي شيء آخر، فمن النادر أن يموت قريب أو عزيز من دون أن نقترح بعض اللمسات الغريبة التي رافقت ذلك الموت، وربما تكون النساء أكثر حرصا على هذه اللمسات ووجودها أو تحوير بعض الحركات والكلمات، لكي تكون مستعدة للدخول في المقدس، فلا يجوز أن يموت المرء في الثقافة الشعبية الموروثة منذ آلاف السنين، كما يموت البعير.

لقد حدثنا التاريخ عن قصص الموت الغريبة لبعض الشخصيات المميزة، لكن اللاوعي الجمعي لا يكتفي بالشخصيات المميزة، ذلك أن الموت في حد ذاته لا يخص الميت وحده، بل يمكن القول إنه لا يخص الميت مطلقاً، لقد تحول الأمر من الشخص الراحل إلى من تبقى، هل يمكن القول إنه إنذار ما؟ ربما.. لكنه إنذار يحمل أيضا طابع القداسة، فثمة من يخبرك بحلم قبل وفاة أحدهم لا يمكن تفسيره قبل الموت، وثمة من يخبرك ببعض التفاصيل التي تسبق الموت، كالإلحاح على رؤية شخص ما، حتى لو كان العداء سيد العلاقة بينهما، فيراه ثم يموت. لكن الأكثر مدعاة للتفكير هو الموت قتلا، ففي هذه الحال تتناسل الحكايات والغرائب، وتتعاظم القداسة حتى تصبح في أحيان عدة مثار بحث وتمحيص، لشدة الإيمان بها، وليس القتل متشابها أيضا، فحالات الموت في قتال العدو، تأخذ مجرى مغايرا عن القتل العادي في جريمة ما، وقتال العدو يمنح القتيل صفات لم تكن تليق به من قبل، لكن العقل الإنساني قادر على إعادة تكوين الشخصية منذ الصغر، أو منذ اللثغة الأولى، مرورا بالطفولة والشباب حتى الموت، لكي تكون الشخصية قادرة على احتمال هذه القداسة التي يُجمع العقل البشري على أنها تخص القتيل.

هل حدث هذا في الحركات الشعبية العربية؟ كثيرا جدا، وسوف نقرأ المزيد في قادم الأيام، فهذه ثقافة شعوب، وليست لحظة طائشة!

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر